من أين يمول البيجيدي رهاناته ومشاريعه الانتخابية والسياسية؟
الدار / إيمان العلوي
في عام 2017 صادق المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية على ميزانية بموارد تبلغ أكثر من 36 مليون درهما. بالنسبة للحزب الأغلبي الذي حصل على 125 مقعدا في البرلمان برسم الانتخابات الأخيرة تعتبر هذه الميزانية متواضعة بالنظر إلى الانتشار والقدرة التنظيمية والحضور الإعلامي والأداء الانتخابي للحزب. وتطرح الإنجازات الانتخابية والسياسية للحزب الإسلامي منذ 2012 الكثير من التساؤلات حول قوته المالية غير المعلنة التي مكنته من انتزاع المرتبة الأولى ومن قيادة الحكومة السابقة والحالية.
في تقرير المجلس الوطني لسنة 2017 توزعت الميزانية الخاصة بالحزب بين الموارد الذاتية للمنتخبين المركزيين البرلمانيين وغيرهم والتي مثلت نسبة 42 بالمائة من المبلغ الكامل أي أكثر من 15 مليون درهم. في حين شكل دعم الدولة نسبة 57 بالمائة أي أكثر من 20 مليون درهم. ومن الواضح من توزيع هذه الميزانية أن دعم الدولة الذي يناهز ملياري سنتيم لا يمكن أن يسعف الحزب في تحقيق كل ما حققه من مكتسبات انتخابية وتنظيمية كبيرة في السنوات الأخيرة.
غير أن الجزء التمويلي الثاني المتعلق بالموارد الذاتية للمنتخبين يظهر أن الموارد الحقيقية لحزب العدالة والتنمية هي بالضرورة أكثر بكثير مما هو معلن. ففي هذا البند الذي يتعلق بسخاء المناضلين وكرم المتعاطفين يعتبر التمويل عربونا على صدق الانتماء لإيديولوجيا الحزب وفكره ومشروعه.
هذه الشفافية التي تميز تدبير ميزانية الحزب تفتح المجال أمام تساؤلات كثيرة بخصوص تمويل أكثر حزب مهيكل بالمغرب. الخريطة التنظيمية المعقدة للحزب تكشف عن تحديات تمويلية هائلة يمكن أن تساهم في توفير احتياجاته اللوجيستيكية والمادية. أكثر من عشر هيئات موازية، وأكثر من 600 فرع إقليمي وخارجي، وعشر لجان وأقسام متخصصة، ولجان دائمة تتعدى الستة لجان، ومكاتب مختلفة الاختصاصات وفرق برلمانية ووزارية وغيرها من الهيئات التي تمثل حزب العدالة والتنمية. صحيح أن المسؤولين وأعضاء هذه اللجان مساهمون في تمويل ميزانية الحزب لكن اشتغال هذه الهيئات كلها يتطلب بالضرورة تدبيرا للمصاريف والميزانيات الخاصة بمختلف اللقاءات والمبادرات والمؤتمرات المختلفة.
وكان حزب العدالة والتنمية قد استأثر بنصيب الأسد فيما يخص الدعم العمومي للأحزاب السياسية حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات الخاص بسنة 2017، وبلغت حصة الحزب الذي يقود الحكومة لولايتين متتاليتين قرابة 41 مليون درهم (أزيد من 4 ملايير سنتيم)، أي ما يعادل نسبة 32 في المائة من حجم الدعم العمومي التي تقدمه الدولة للأحزاب السياسية. لكن الحزب الذي يعلن باستمرار أنه لا يعطي تزكيات انتخابية لغير أعضائه النشطاء الذين تدرجوا في هيئات الحزب لا يمكن أن يقنع المتابعين والمهتمين بالشأن الحزبي بأن تدبير كل الرهانات والاستحقاقات التي دخلها الحزب يعول فيها على هذا الدعم المحدود. فقد أظهرت سوق الانتخابات التشريعية على الخصوص في مناسبات عديدة أن الكثير من الأحزاب السياسية تلجأ إلى تمويل حملاتها الانتخابية على سبيل المثال من خلال ما تحصل عليه من دعم مالي كبير من المرشحين الراغبين في الحصول على تزكيات الأحزاب المخولة للمشاركة في السباق الانتخابي.
في الانتخابات التشريعية الأخيرة قدم حزب العدالة والتنمية لوائح مرشحين غطت جميع الدوائر البالغ عددها 395 وبلغ مجموع النفقات المصرح بصرفها من طرف حزب “المصباح” ما قدره (أزيد من 71 مليون درهما) يتوزع أساسا بين الدعم المالي المقدم لوكلاء لوائح الترشيح (أزيد من 40 مليون درهم) ومصاريف الطبع (أزيد من 17 مليون درهم) ومصاريف مختلفة (أزيد من 8 ملايين درهم). وهذا يعني أن كل لائحة حصلت على دعم مالي لا يتجاوز 100 ألف درهم لكل وكيل لائحة وهو مبلغ لا يكاد يغطي مصاريف التنقل والتحركات التي يتعين على المرشح القيام بها للقاء بالناخبين ناهيك عن تنظيم اللقاءات والمهرجانات الخطابية. هذه المعطيات الغامضة نوعا ما تثير الكثير من علامات الاستفهام عن الحجم الحقيقي للقوة المالية للحزب الذي لا يعرف مثل غيره من الأحزاب بأنه مستقطب لرجال المال والأعمال والأعيان من ذوي الحقائب المالية السمينة.