رُهاب الجزائر من التاريخ

بقلم: نورالدين زاوش
قبل أربعة عقود، بقاعة “الخزانة الحسنية” المجاورة للقصر الملكي بالرباط، حيث كان يتردد المؤرخ “نورالدين بلحداد” ليهيئ، أنذاك، بحث الدكتوراه في إحدى جامعات فرنسا حول موضوع “الصحراء المغربية”، إذ به يُفاجأ بزيارة الحسن الثاني، رحمه الله، للقاعة، حيث دار بينهما حديثٌ ظل عالقا في ذهن المؤرخ المغربي، مفاده أن الحسن الثاني طلب منه، في حالة ما أفضت أبحاثه إلى أن الصحراء غير مغربية أن يدون ذلك في بحثه، وأن لا يخشى شيئا أو يجامل أحدا.
ليس عجيبا في الأمر، أن تصدر السلطات الجزائرية، هذه الأيام، أمرا بمنع “المؤرخين” وأساتذة التاريخ من إدلاء تصريحات صحفية ذات صلة بالتاريخ، أو إجراء مقابلات تلفزيونية؛ إلا بإذن مسبق من السلطات المختصة؛ فخوف الجزائر من التاريخ ليس وليد اليوم؛ بل بدأ منذ عهد المقبور “بوخروبة” المعروف باسم “بومدين”، الذي أمر بدفن الأرشيف الجزائري في دهاليز مقرات المخابرات، كما منع بشكل قاطع تدوين تاريخ الجزائر، بدعوى أن البلد يحتاج إلى البناء وليس إلى التدوين.
أخوف ما يخاف منه نظام العسكر اللّقيط هو التاريخ والتوثيق؛ لأنه يعلم يقينا بأن ذلك سيدمر ما يتستَّر به من إشاعات وترَّهات وأكاذيب؛ لذا تراه، صباح مساء، يلاحق الكتاب والمثقفين والمؤرخين، أحيانا بالترغيب وفي كثير من الأحيان بالترهيب، وما اعتقال الكاتب الفرنسي من أصول جزائرية “بوعلام صلصال”، ومحاولة اختطاف الكاتبة والصحفية “أمينة بوراوي” من تونس إلا غيض من فيض.
إن قلب الحقائق الموثقة، وطمس ملامح التاريخ المضبوط، هما ما يُمَكّن نظام العسكر، فاقد الهوية والتاريخ، من نشر مئات الإشاعات ونسج عشرات الأساطير، من قبيل إشاعة 5 ملايين و600 ألف شهيد، وأسطورة “بلّارج” المجاهد، وأسطورة حائط “البُراق” الذي في ملكية الجزائر، وبقية الأساطير يعرفها الجميع. وقد بلغ الرعب بهذا النظام الأرعن من بُعبع التوثيق إلى درجة أنه لم يُجْر، لحد الساعة، أي إحصاء لمحتجزي المخيمات بتندوف؛ رغم إصرار الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على ذلك؛ بل وأكثر من ذلك، فالجزائر نفسُها لم تقم بأي إحصاء لساكنتها منذ نشأتها سنة 1962م، مما يدل بأننا بصدد عصابة مجرمة تحتجز ملايين الناس بدعوى أنها دولة؛ والحقيقة أنها أشبه ما تكون بحظيرة، ومما يؤكد أيضا أنّ من أسعفه الحظ وفرّ بجلده منها، فإنها تخطط لاختطافه واغتياله عبر عملائها الذين ينتحلون صفة “ديبلوماسيين”، مثلما وقع في قضية المعارض “الأمير ديزاد”، والتي باتت اليوم قضيةً تشغل الرأي العام في أوروبا؛ وليس فقط في فرنسا.