سلايدرمغرب

موسم “ذراع الزيتون” بالرحامنة.. ذاكرة المقاومة وتلاحم القبائل

الدار : محمد الحبيب هويدي

على الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين الدار البيضاء ومراكش، وبمحاذاة جماعة نزالت لعظم القروية بإقليم الرحامنة، يتردد صدى البارود في سماء هضبة ذراع الزيتون، حيث تختلط أصوات التبوريدة بأهازيج الحاضرين، إيذاناً بانطلاق موسم سنوي أصبح تقليداً راسخاً يخلد تاريخ المقاومة المغربية في مواجهة الاستعمار الفرنسي. هذا الموعد الذي يجمع أبناء الرحامنة بضيوفهم من مختلف ربوع المملكة، خاصة من الصحراء المغربية، يعكس التلاحم الوطني بين الجنوب والوسط، ويستحضر بطولات الشيخ أحمد الهيبة ماء العينين، قائد معركة سيدي بوعثمان يوم السادس من شتنبر 1912، التي شكلت محطة بارزة في مسار الكفاح الوطني.

الاحتفال لا يقتصر على عروض التبوريدة التي تثير إعجاب الزوار، بل يتحول إلى محطة لتأمل التاريخ واستحضار قصص الفداء والتضحيات. فقد شهدت الخيمة الثقافية ندوة فكرية شارك فيها باحثون ومؤرخون وأحفاد الشيخ الهيبة، أبرزوا خلالها أن معركة سيدي بوعثمان لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل جسدت وحدة الصف المغربي من الشمال إلى الجنوب، في رسالة قوية للمستعمر بأن المغرب عصيّ على الانقسام. كما جسدت زيارة مقبرة شهداء المعركة لحظة مؤثرة أعادت إلى الأذهان تضحيات المقاومين الذين قدموا أرواحهم دفاعاً عن الأرض والكرامة.

وقد برز خلال هذه التظاهرة اسم مولاي حسن الطالبي أحد أعيان منطقة بوشان من أبناء قبيلة الركيبات بالصحراء المغربية، الذي قدّم بصمة إنسانية ووطنية مميزة تعكس عمق الروابط التاريخية بين الرحامنة والصحراء. وعُرف بمبادراته الاجتماعية ودعمه المستمر للأنشطة الخيرية والدينية، حيث ساهم في إنجاح الموسم بتقديم ذبيحة تكريماً لشهداء معركة سيدي بوعثمان ووفاءً لأبنائهم وأحفادهم، موجهاً كلمة دعا فيها إلى العناية بمقبرة الشهداء وترميمها باعتبارها ذاكرة جماعية توثق لتضحيات الأجداد، ومؤكداً على ضرورة تشجيع هذا المهرجان لما يشكله من جسر يربط بين روح المقاومة الوطنية ومسار التنمية الراهن.

كما تميز الموسم بزيارة وفد من قبائل الصحراء المغربية، ممثلاً في جمعية الشيخ ماء العينين، إلى جانب فعاليات محلية وعدد من المسؤولين والمنتخبين، إلى مقبرة الشهداء، في أجواء طبعتها قيم الوفاء والاعتزاز بذاكرة المقاومة. وتميز الحدث أيضاً بتنظيم ندوة فكرية كبرى تحت شعار: “الاحتفاء برمز المقاومة الشيخ أحمد الهيبة”، شارك فيها باحثون ومقاومون وشخصيات ثقافية، حيث تمت الدعوة إلى حفظ الذاكرة الوطنية ونقلها للأجيال الصاعدة.

فعاليات موسم ذراع الزيتون، التي امتدت على مدى أيام، استقطبت آلاف الزوار من مختلف مناطق المغرب، حيث تنوعت بين عروض التبوريدة والأنشطة الثقافية والفكرية والروحية، في محاولة لجعل الذاكرة التاريخية حية ومتجددة، وتعزيز الاعتزاز بالهوية المغربية وتوريث قيم التضحية والمواطنة للأجيال المقبلة، حتى تبقى معركة سيدي بوعثمان حاضرة في وجدان المجتمع، لا كحدث تاريخي فحسب، بل كدرس دائم في الوطنية والتلاحم.

زر الذهاب إلى الأعلى