
بقلم ذ/ الحسين بكار السباعي
لم تعد قرارات الإعفاء الإداري، مهما حملت من حمولة سياسية أو رسالة ظرفية، كافية لطمأنة الرأي العام أو لإقناعه بأن الدولة تسير في إتجاه إصلاح حقيقي يقطع مع منطق الإفلات من المسؤولية. فالدستور المغربي لسنة 2011 جاء واضحا وحاسما حين نص في الفصل الأول على أن “ربط المسؤولية بالمحاسبة” يعد من مرتكزات النظام الدستوري للمملكة، وهو مبدأ يجعل من أي إعفاء إداري غير متبوع بآليات افتحاص ومساءلة، مجرد تغيير في الواجهة يفتقد لعمقه المؤسساتي.
فالإعفاء في غياب محاسبة فعلية يفرغ مقتضيات الفصل 36 من الدستور من مضمونها، وهو الفصل الذي يحظر كل أشكال الإنحراف في تدبير المال العام ويلزم السلطات العمومية بمكافحة الفساد والرشوة وإستغلال النفوذ. كما أن قانون المجلس الأعلى للحسابات (القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية) أسند للمجلس مهمة مراقبة إستخدام الأموال العمومية وتتبع الإختلالات المالية والإدارية، بما يضع بين يديه سلطة تقريرية وتوصياتية تجعل منه فاعلا أساسيا في تنزيل مبدأ الحكامة الجيدة.
إلى جانب ذلك هذه المجلس ومقتضياته التنظيمية ،جاء القانون الجنائي المغربي بمقتضيات زجرية واضحة في الجرائم المتعلقة بالمال العام، من تبديد وإختلاس ورشوة وإستغلال النفوذ، الأمر الذي يجعل المحاسبة خيارا سياسيا وواجبا قانونيا ملزما. كما أن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، المحدثة بموجب القانون رقم 46.19، تضطلع بدور جوهري في تتبع مظاهر الفساد وتقديم التوصيات الكفيلة بتقوية الشفافية.
من هذا المنطلق السليم، يصبح الإصلاح المنشود مرهون بالإنتقال من منطق التضحية بالأشخاص لتنفيس الأزمات، إلى ترسيخ ثقافة مساءلة مؤسسية حيث تتحمل كل جهة وزر قراراتها وبرامجها وميزانياتها أمام القانون والهيئات الدستورية المختصة. فالمحاسبة ليست إجراء انتقامي من فلان أو علان أو تصفية حسابات سياسية ضيقة، وإنما آلية وضعها المشرع المغربي إختراما لقانون الدولة الأساسي الدستور، لتصحيح كل إعوجاج في التدبير والتسيير ولضمان إستمرارية المرفق العام وفق مبادئ الحكامة والنجاعة الجيدة.
ختاما، الإعفاء والمحاسبة ليسا مجرد خبر عابر ومادة صحفية لتهدئة وطمأنة الرأي العام، ولكنه محطة تأسيسية تعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وتجعل من شعار “ربط المسؤولية بالمحاسبة” ممارسة ملموسة، لا مجرد شعار دستوري.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان