
بقلم /ذ/ الحسين بكار السباعي
لن نترك الصورة التي تناولها الإعلام الوطني و الدولي، أثناء إنعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، والتي يظهر فيها وزير خارجيتنا السيد ناصر بوريطة يصافح نظيره الجزائري دون قراءة من زوايها المختلفة، و ليس فقط بما تظهره من بروتوكول يمكن أن يدخل ضمن خانة المجاملات الدبلوماسية، بل بما تحمله من مشهد سياسي مكتمل الأركان، إنها صورة تختزل في تفاصيلها لغة صامتة هي أبلغ من أي خطاب سياسي مكتوب. فالابتسامات المتبادلة، والتواصل البصري المباشر، وإرادة إظهار الود أمام عدسات كاميرا الإعلام ، كلها إشارات لا يمكن فصلها عن لحظة التصريح العلني خلال أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في درتها الثمانين، حيث صدحت الكلمات لتوازي الصورة، وتجعل منها حدثا قابلا للتأويل السياسي والإستشراف الإستراتيجي.
إن الصورة توحي بأن هناك إدراكا متبادلا لدى الطرفين بضرورة إختيار لغة جديدة في العلاقة المغربية الجزائرية، بعدما أستنفدت أوراق القطيعة والخطاب العدائي، ولم تعد السياسات الإنعزالية قادرة على تقديم أجوبة واقعية عن التحديات الأمنية والإقتصادية المشتركة في المنطقة المغاربية والساحل الإفريقي. فقد تبين أن النزيف الدائم للطاقة الدبلوماسية والمالية في صراع مفتعل حول الصحراء المغربية لا يخدم سوى تعميق هشاشة المنطقة، في وقت يتصاعد فيه الإرهاب العابر للحدود والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية. وبالتالي، فإن إختيار منصة أممية ذات رمزية عالمية للإفصاح عن إستعداد رمزي للتقارب، يترجم الرغبة في بعث رسائل إلى المنتظم الدولي بأن البديل عن الجمود ممكن، وإن ظل رهينا بحذر دبلوماسي محسوب.
لكن أي إستشراف لأبعاد مصافحة بروتوكولية، يفرض علينا إدراك أن هذه المصافحة ليست نقطة تحول حاسمة بقدر ما هي جس نبض سياسي يروم إختبار ردود الفعل. فهي لا تحمل بعد إلتزامات عملية واضحة، ولا تعني بالضرورة بداية مسار تفاوضي جدي، بل قد تظل في حدود الصورة الإستعراضية إذا لم تتبعها خطوات عملية، مثل فتح قنوات حوار ثنائية أو إحياء آليات التعاون الأمني التي جمدت منذ سنوات. ومع ذلك، فإن مجرد حصولها في هذا التوقيت، وفي هذا المحفل الأممي بالذات،وعلى مقربة من إنعقاد مجلس الأمن ، يمنحها دلالة رمزية قوية، خصوصا أن الخطاب السياسي في البلدين إعتاد على تأجيج القطيعة أكثر من إظهار إشارات التقارب.
إن التحدي الأكبر اليوم يكمن في تحويل هذه الرمزية إلى سياسة واقعية تعيد للعلاقات المغربية الجزائرية شيئا من العقلانية المفقودة. ولن يتحقق ذلك إلا إذا تخلت الجزائر عن رهاناتها العقيمة على ورقة الإنفصال في الصحراء المغربية، وأدركت أن الشرعية الدولية تسير بثبات في إتجاه تكريس مبادرة الحكم الذاتي كحل جدي وواقعي. كما أننا اليوم وترافعا عن قضيتنا العادلة في مختلف دواليب المنظمات الإقليمية والدولية، مطالبين بالإستمرار في إستثمار مكتسباتنا الدبلوماسية والدولية لإقناع المجتمع الدولي بأن الحوار مع الجزائر ليس خيارا تكتيكيا، بل ضرورة إستراتيجية لضمان أمن وتنمية المنطقة. فالمصافحة اليوم لا ينبغي أن تقرأ فقط كحدث بروتوكولي عابر، بل كإشارة أولى على أن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية يقترب من لحظة حسمه التاريخي. خاصة أن المشهد الأممي في دورته الثمانين لم يكن مجرد مناسبة لتبادل الكلمات والصور، بل محطة دالة على أن الجزائر بدأت تدرك حدود خطابها التقليدي، وأن رهاناتها على أطروحة الانفصال لم تعد تجد صدى لدى المنتظم الدولي الذي يميل أكثر فأكثر إلى الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي كخيار وحيد واقعي وذي مصداقية.
ختاما، إن هذه المصافحة، مهما بدت بسيطة، إلا أنها تختزن معنى عميقا، هو أن الصراع لم يعد قدرا محتوما، وأن المغرب يواصل كسب معركة الشرعية والواقعية، بينما الجزائر تجد نفسها أمام إستحقاق مراجعة خياراتها. وفي الأفق القريب، يلوح مسار مختلف، عنوانه أن نهاية النزاع قد دقت، وصارت ضرورة حتمية تمليها التحولات الإقليمية والدولية، وتجعل من المصالحة خيارا لا مناص منه لضمان أمن المنطقة ومستقبل شعوبها.
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية