سلايدرمغرب

المغرب وصناعة العتاد والسلاح، رهانات تحول المملكة إلى قوة إقليمية ودولية.

الدار/

يعيش المغرب اليوم لحظة تاريخية و مفصلية في مسار تشكل قوته الإقليمية والدولية، المملكة التي إنتقلت من مرحلة التموقع الإقتصادي على خارطة التصنيع العالمي في مجالي السيارات والطائرات، إلى المرور بثبات نحو بناء صناعة عسكرية حديثة ومتطورة، صناعة تزاوج بين مطلب السيادة الأمنية وهاجس الإنخراط في سوق التسليح الدولية. هذا التحول لا يمكن فهمه إلا من خلال قراءة مركبة تجمع بين البعد الأمني والإعتبارات الاقتصادية، والرهانات الجيوسياسية التي تضع المملكة المغربية في موقع متقدم داخل إفريقيا وفي مجالها الأورومتوسطي والأطلسي.

إن خيار التأسيس لصناعة دفاعية محلية ليس وليد الصدفة، بل يعكس إرادة سياسية واضحة في التحرر التدريجي من التبعية للموردين الخارجيين، الذين طالما فرضوا شروطا مرهقة. فارتفاع كلفة العتاد العسكري، خصوصا في ظل سباق التسلح بالمنطقة المغاربية والساحل، يجعل المغرب مضطرا إلى البحث عن حلول مبتكرة تجمع بين ترشيد الإنفاق وضمان الجاهزية الدفاعية. لذلك فإن خلق منظومات إنتاج وطنية للمركبات القتالية والطائرات المسيرة، يعد خطوة إستراتيجية للإنتقال من خانة المستورد إلى خانة المنتج والمصدر.
غير أن هذا المشروع لا يقوم فقط على منطق الكلفة أو الحاجة التقنية، بل يتجاوز ذلك إلى أبعاد أكثر عمقا ترتبط بتكريس موقع المغرب كقوة إقليمية ذات إشعاع قاري ودولي. فمن خلال الصناعات العسكرية، يربح المغرب ورقة إضافية في تعزيز شراكاته الإفريقية التي يقودها في إطار التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، خاصة وأن القارة السمراء تعيش تحولات أمنية عاصفة بفعل تصاعد الجماعات الإرهابية المسلحة وشبكات الجريمة العابرة للحدود. فالتوفر على صناعة عسكرية وطنية يتيح للمغرب أن يتحول إلى مصدر للخبرة والسلاح في آن واحد، مما يقوي زعامته داخل الاتحاد الإفريقي ويوفر له أدوات تأثير مضاعفة في الملفات الجيوسياسية الكبرى. وإذا كان تأسيس مناطق صناعية متخصصة في الدفاع العسكري يعكس وعيا رسميا بضرورة خلق بيئة ملائمة للإستثمار في هذا القطاع المتطور، فإن الأمر يتجاوز مجرد إستقطاب الشركات الأجنبية، ليعبر عن استراتيجية متكاملة تراهن على تحويل الكفاءات المدنية في مجال الطيران والسيارات إلى رصيد بشري داعم للصناعة العسكرية. هذا التمفصل بين المدني والعسكري ينسجم مع منطق الدولة الحديثة التي تراهن على إقتصاد المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة باعتبارها روافع للسيادة الوطنية والنفوذ الدولي.
والمغرب وهو يرفع من ميزانية دفاعه تدريجيا، يدرك أن صناعة السلاح أصبحث شرطا أساس لبقاء الدول في سباق القوى العالمي.
وفي ظل التحولات الدولية الراهنة، حيث تعيش المنظومة الأمنية العالمية على وقع حرب أوكرانيا وأزمة الشرق الأوسط وتوترات الساحل وتنافس القوى الكبرى في إفريقيا ، يجد المغرب في الصناعة العسكرية أداة لتعزيز استقلالية قراره الإستراتيجي، ومصدرا لتمتين حضوره الدولي. فزعامة المغرب للقارة الإفريقية لم تعد محصورة في المبادرات السياسية أو الإقتصادية، بل باتت تشمل أبعادا أمنية وصناعية تعكس رؤية شمولية للأمن القومي ولأدوار الدولة في القرن الحادي والعشرين.

ختاما، إن مسار المغرب نحو التأسيس لصناعة عسكرية وطنية متطورة ليس مجرد خيار إقتصادي أو استجابة لحاجة آنية، بل هو مشروع إستراتيجي يرسم ملامح دولة إقليمية وازنة تسعى إلى الجمع بين القوة الصلبة والذكاء الإقتصادي. فمع تراكم التجارب الصناعية وإستقطاب الإستثمارات الأجنبية، وبناء منظومات دفاعية قادرة على تلبية الحاجيات المحلية والإنفتاح على الأسواق الإفريقية والدولية، يمضي المغرب نحو ترسيخ مكانته كقوة صاعدة وزعيمة في إفريقيا. وهو بذلك يهيئ لنفسه موقعا محوريا في التوازنات الجيوسياسية، ويمنح قراره الإستراتيجي إستقلالية أكبر، بما يجعل المستقبل مفتوحا أمامه للتحول إلى أحد أبرز الفاعلين في معادلة الأمن والتنمية إقليميا ودوليا.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى