الرياضةسلايدر

نهائي ملكي لكأس العرب: حين تتواجه بصمت مدرستان تدريبيتان من نفس الجذور في قمة المغرب والأردن

الدار/ إيمان العلوي

لا يحمل نهائي كأس العرب بين المنتخبين المغربي والأردني إثارة التتويج فقط، بل يختزن في عمقه مواجهة فكرية نادرة بين مدربين ينتميان إلى نفس المدرسة الكروية، ويتقاسمان مرجعية مغربية واحدة، وإن اختلفت المسارات والسياقات. طارق السكتيوي من جهة، وجمال السلامي من الجهة الأخرى، يضعان الكرة المغربية أمام مرآة ذاتها، في اختبار عملي لتطور الفكر التدريبي الوطني وقدرته على التكيّف خارج حدوده الجغرافية.

هذا النهائي لا يُقرأ فقط من زاوية الأسماء أو القمصان، بل من زاوية المشروع. فالسكتيوي، الذي راكم تجربة مهمة في العمل القاعدي والمنتخبات السنية، يقدّم نموذج المدرب الذي يراهن على الانضباط التكتيكي والانتقال السلس بين الدفاع والهجوم، مع إيمان واضح بدور الجماعة على حساب النجم الفرد. في المقابل، يمثّل السلامي مساراً مختلفاً، مدرباً صقلته المنافسات القارية وتجارب الأندية، ويعتمد مقاربة براغماتية تمزج بين الصلابة الدفاعية والنجاعة الهجومية، مع قدرة ملحوظة على قراءة الخصم وتدبير لحظات الضغط.

المثير في هذه المواجهة أن كليهما يستندان إلى نفس الخلفية التكوينية التي أرستها الكرة المغربية خلال العقدين الأخيرين، خاصة بعد إصلاحات التكوين واعتماد مناهج تدريبية حديثة بتأطير من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وبدعم من برامج التكوين المعتمدة من “الكاف” و“الفيفا”. هذه المدرسة، التي أفرزت أسماء عديدة داخل المغرب وخارجه، تجد نفسها اليوم في مواجهة مباشرة، ولكن بأدوات مختلفة وقراءات متباينة للّعبة.

المنتخب المغربي يدخل النهائي وهو مدجج بثقة الأداء الجماعي، وبقدرة واضحة على التحكم في إيقاع المباريات، بينما يصل المنتخب الأردني بقيادة السلامي بروح قتالية عالية وتنظيم تكتيكي محكم، مكّنه من تجاوز محطات صعبة والوصول إلى النهائي باستحقاق. وبين هذا وذاك، يصبح دور المدرب حاسماً في التفاصيل الصغيرة: توقيت التبديلات، التعامل مع الكرات الثابتة، وإدارة الدقائق الأخيرة التي غالباً ما تحسم النهائيات.

أبعد من الكأس، يحمل هذا النهائي رسالة رمزية قوية: المدرب المغربي لم يعد فاعلاً محلياً فقط، بل أصبح رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية، قادراً على المنافسة، وعلى قيادة منتخبات أخرى إلى منصات التتويج. وهو ما تؤكده تجارب سابقة وحالية لمدربين مغاربة في إفريقيا والعالم العربي، حيث بات “التوقيع المغربي” مرادفاً للانضباط والمرونة التكتيكية وحسن إدارة المجموعة.

هكذا، يتحول نهائي المغرب والأردن إلى أكثر من مباراة. إنه لحظة تقييم صريحة لمسار المدرسة التدريبية المغربية، وامتحان عملي لقدرتها على إنتاج أفكار متنوعة من نفس الجذر. فائز واحد سيرفع الكأس، لكن الرابح الأكبر قد يكون كرة القدم المغربية، التي ترى أبناءها يتواجهون في نهائي كبير، كلٌ بطريقته، وكلٌ بلغته الكروية، تحت عنوان واحد: مدرسة واحدة… برؤيتين مختلفتين.

زر الذهاب إلى الأعلى