جنوب إفريقيا.. الإشعاع المغربي في قلب إفريقيا الجنوبية
بقلم: عبد الغني عويفية
يرسخ التقدم المطرد الذي يحققه المغرب على المستويين الاقتصادي والسياسي، المكانة المتميزة التي يحتلها في ديناميكية التغيير الراهنة بإفريقيا. ويتعلق الأمر بصورة لامعة تضيء مختلف بقاع القارة، بما في ذلك إفريقيا الجنوبية.
وقد شكلت الملتقيات الدولية، المنعقدة في هذا الجزء من القارة طوال سنة 2019 التي توشك على الانصرام ، مناسبة لإبراز توجه المملكة.
فعلى المستوى الاقتصادي، أثارت الجهود التي بذلتها المملكة على درب تعزيز مكانتها كوجهة مميزة بالنسبة للمستثمرين الأجانب اهتمام بنك (راند ميرشانت)، أحد بنوك الاستثمار الرئيسية في جنوب إفريقيا.
وفي تقرير حول فرص الاستثمار في إفريقيا، صدر في شهر أكتوبر الماضي، صنف بنك (راند ميرشانت) المغرب كوجهة مميزة بفضل بيئة ماكرواقتصادية ذات جودة، ومناخ أعمال ملائم، وتوقعات نمو قوية.
وحسب المؤسسة ذاتها، بات المغرب يدخل بشكل متزايد في حسابات المستثمرين الدوليين، بمن فيهم الجنوب إفريقيين، الذين يسعون للاستثمار خارج نطاق أسواقهم التقليدية بإفريقيا الجنوبية.
وقد تعزز هذا التوجه المغربي خلال المنتدى الإفريقي للاستثمار “إفريقيا 2019″، الذي نظمه البنك الإفريقي للتنمية في نونبر الماضي بساندتون، الحي المالي بجوهانسبورغ.
وشكل هذا المنتدى، الذي فرض نفسه مع مرور السنين كـ(دافوس إفريقيا)، فرصة لوفد مغربي رفيع المستوى كي يعرض أمام المستثمرين الأفارقة والدوليين نقاط قوة المملكة، وخاصة مساهمتها في الجهود المبذولة في سبيل التنمية الاقتصادية بالقارة.
واستعرض الوفد أمام مختلف الفاعلين النقاط التي تمثل قوة المغرب، لاسيما استقراره السياسي وموقعه الجغرافي الاستراتيجي باعتباره منصة ولوج بامتياز في القارة الإفريقية، ومشاريعه الضخمة للبنية التحتية، وكذا القطاعات الرئيسية التي طورت فيها المملكة ميزة تنافسية مشهود لها، بما في ذلك الطاقات المتجددة والمنتجات المالية.
وشكل المنتدى الإفريقي للاستثمار بجوهانسبورغ مناسبة مميزة لتنظيم ندوة مخصصة لفرص الاستثمار بالمغرب، وذلك بمشاركة العديد من المسؤولين الحكوميين والفاعلين القادمين من إفريقيا وخارجها.
وقدمت مختلف التدخلات في هذه الندوة لمحة عامة عن الجهود التي يبذلها المغرب من أجل تعزيز جاذبيته لدى المستثمرين، وهي الجهود التي جعلت من المملكة اليوم وجهة مفضلة للمستثمرين في إفريقيا، وذلك بفضل سوق ناشئة، وموقع جغرافي استثنائي، واقتصاد متنوع، ويد عاملة شابة وديناميكية، وجودة حياة ممتازة.
وعلى غرار الدورات السابقة، جذبت تجربة المغرب في مجال تطوير الطاقة النظيفة الانتباه خلال المنتدى الإفريقي للاستثمار 2019، والذي تم خلاله تعيين الرئيس المدير العام للوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن)، مصطفى الباكوري، رئيسا للجنة قيادة مبادرة “ديزيرت تو باور” (Desert To Power)، التي تطمح إلى تطوير استعمال الطاقة المستدامة في العديد من البلدان الإفريقية.
ويندرج هذا التعيين في إطار تفعيل المبادرة التي تغطي خمسة من بلدان منطقة الساحل (موريتانيا ومالي وبوركينافاسو والنيجر وتشاد)، إضافة إلى ستة بلدان أخرى هي السنغال ونيجيريا والسودان وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا.
وتأكيدا على دور الريادة الذي تضطلع به (مازن) على المستوى القاري، وقعت مؤسسة (أفريكا فينانس كوربورايشن) اتفاقية تعاون مع الوكالة المغربية، تهدف إلى تعزيز سبل التعاون بين الجانبين من أجل تطوير مشاريع الطاقة المتجددة بإفريقيا.
وتعد (أفريكا فينانس كوربورايشن)، المتمركزة بنيجيريا والتي تنشط على مستوى القارة، منظمة مالية صاعدة بقوة، ما سيمكنها من مواكبة المشاريع التي تنجزها وكالة (مازن) خارج المغرب.
ومن بين أبرز اللحظات التي ميزت الحضور المغربي بجنوب إفريقيا، انتخاب رئيس المجلس الجماعي لمدينة الحسيمة، السيد محمد بودرا، رئيسا للمنظمة العالمية للمدن والحكومات المحلية المتحدة، في نونبر الماضي بدوربان (شرق جنوب إفريقيا).
ويعكس هذا الانتخاب التزام المملكة الثابت لصالح التنمية المحلية بمختلف أبعادها، لاسيما الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، خاصة في منطقة الريف.
وتكتسي هذه التنمية أهمية ذات رمزية قوية لأنها تبرز الخطوات الهامة التي قطعها المغرب تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على مسار تعزيز الديمقراطية المحلية وتفعيل الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي يرمي إلى تمكين آليات التدبير الترابي وتعزيز الحكامة المحلية من مختلف فرص النجاح.
ولم يفت الوفود الحاضرة بمؤتمر دوربان التأكيد على أن انتخاب السيد بودرا يشكل اعترافا بالقدرات والكفاءات المغربية.
وبخصوص العلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا، شكل تقديم سفير المغرب، يوسف العمراني، أوراق اعتماده للرئيس سيريل رامابوزا، في شهر أكتوبر الماضي، نقطة تحول هامة.
وتمثل هذا التطور، حسب المحللين والصحافة الجنوب إفريقية، في إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات بين البلدين المدعوين للعمل جنبا إلى جنب من أجل تسهيل بزوغ القارة الإفريقية.
وفي هذا السياق، قال غريغ ميلز، مدير مؤسسة “برينتورسث”، وهي منظمة إفريقية تتخذ من جوهانسبورغ مقرا لها، إن الاعتماد الرسمي للسيد العمراني “يشكل نهاية التباعد الذي بدأ بعد عهد الرئيس السابق نيلسون مانديلا”.
وتحدث ميلز، صاحب مؤلفات عديدة حول التنمية بالقارة الإفريقية، عن “تطبيع” للعلاقات، ينتظر أن يمهد الطريق “لعمل مشترك للبلدين من أجل الدفاع عن مصالحهما المشتركة ومصالح القارة الإفريقية”.
المصدر: الدار ـ و م ع