الرباط مدينة الأنوار.. مشروع ملكي رائد
شهدت سنة 2018 استمرارية مختلف أوراش مشروع "الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية"، المشروع الهام الذي يروم الارتقاء بعاصمة المملكة إلى مصاف الحواضر العالمية الكبرى، والذي يروم الإسهام في تحديث عاصمة المغرب من جهة، وتعزيز مكانة المملكة باعتبارها وجهة سياحية رائدة.
هذا المشروع الملكي، الذي يسعى إلى جعل الرباط قطبا للإشعاع الثقافي للمملكة، من خلال الارتقاء بالبنيات التحتية للعاصمة، وتطوير الإنارة العمومية والمرافق الإدارية والثقافية والترفيهية، يعد مشروعا طموحا يحمل قيمة مضافة ستمكن الرباط من تحقيق هذا الإشعاع عبر بوابة تثمين التراث، وحماية الفضاءات الخضراء، وتحسين الولوج إلى مختلف الخدمات وتعزيز حكامة المشاريع المهيلكة التي ستساهم في ضخ دينامية جديدة وتكثيف وتيرة الأنشطة الثقافية.
بتاريخ 12 ماي 2014، أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس انطلاقة البرنامج المندمج للتنمية الحضرية لمدينة الرباط (2014-2018)، والذي أطلق عليه جلالته "الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية"، كورش هام يأتي في إطار الرؤية الملكية الهادفة إلى تطوير النسيج الحضري لمختلف مدن المملكة، وفقا لرؤية متناغمة ومتماسكة ومتوازنة، جعلت منه صك نجاحه.
وتمت تعبئة اعتمادات مالية بلغت قيمتها تسعة ملايير و425 مليون درهم لهذا البرنامج الخماسي الذي يشمل مشاريع ستسهم في تعزيز التنمية، كما سترتقي بعاصمة المملكة إلى مصاف العواصم العالمية التي تشهد دينامية ثقافية حقيقية.
وتهدف الاتفاقية الإطار الناظمة للمشروع الملكي إلى تحقيق تنمية حضرية مندمجة، من خلال محاور تتعلق بصيانة وتثمين التراث الثقافي والحضاري للمدينة، وتهيئة الممرات السياحية، وتأهيل المدينة العتيقة للرفع من جاذبيتها، والمحافظة على الموروث الثقافي والحضاري للمآثر التاريخية المصنفة ضمن التراث العالمي الإنساني للمدينة، من قبيل شالة وقصبة الوداية.
كما ترمي أيضا إلى صيانة الأسوار والأبواب التاريخية، وتأهيل المتاحف التاريخية، وإحداث متحف للآثار وعلوم الأرض، وتأهيل المسارح ودور الثقافة وإحداث فضاءات للفنون، وتأهيل المكتبات وقاعات العروض الفنية، والانتهاء من أشغال المعهد الوطني للموسيقى وفنون الرقص. وحسب معطيات لمجلس مدينة الرباط، فقد تم في هذا الإطار توقيع اتفاقية شراكة بين جماعة الرباط، وشركة "الرباط الجهة للتهيئة"، ووزارتي إعداد التراب الوطني والإسكان وسياسة المدينة، والاقتصاد والمالية، وولاية جهة الرباط -سلا -القنيطرة من أجل تمويل برنامج تأهيل المدينة العتيقة بمبلغ إجمالي قدر في 150 مليون درهم، ساهمت فيه الجماعة بـ20 مليون درهم. ويستعرض المصدر ذاته محور حماية وتأهيل النسيج العمراني، عبر القضاء على دور الصفيح وإنجاز أسوار وقائية لتفادي الانهيارات المحتملة للتربة وحماية المباني السكنية المحاذية للمنحدرات بأحياء اليوسفية، ومعالجة الدور الآيلة للسقوط بالأحياء الناقصة التجهيز كحي العكاري، وحي الرشاد، وحي أبي رقراق، وحي الفرح وحي الانبعاث. وبخصوص تهيئة المدينة العتيقة ووسط المدينة، فقد تم الإعلان عن الصفقة من طرف شركة "الرباط الجهة للتهيئة" بداية سنة 2018، في ما يتعلق بالأشغال المتصلة بتدعيم هضبة حي الفرح والبنايات التي تم تصنيف حالتها الاستعجالية من طرف المختبر العمومي للتجارب والدراسات.
أما في الشق المتعلق بالمحافظة على المساحات الخضراء والمحيط البيئي للمدينة، فيتعلق الأمر بتأهيل الحدائق والمنتزهات، وتأهيل نزهة ابن سينا، وإحداث الحديقة الأندلسية الجديدة لفضاء المصلى على طول شارع الإمام مالك وشارع تادلة، وتهيئة وتجهيز فضاءات الأطفال والمناطق الخضراء بالأحياء الآهلة بالسكان، فضلا عن إحداث منتزهات بالحزام الأخضر بالجزء الممتد من أسواق السلام إلى "كيش الوداية"، والجزء المحاذي لحي الفتح مع فتحها في وجه السكان، والحفاظ على الطابع الغابوي لهذا المجال.
وبخصوص تهيئة كورنيش الرباط، تم توقيع اتفاقية شراكة لتدبير حديقة "نزهة حسان" بالرباط، بين ولاية جهة الرباط -سلا -القنيطرة، وجماعة الرباط و المديرية الجهوية للمياه والغابات، تتحمل جماعة الرباط بموجبها مصاريف الصيانة والنظافة والحراسة و الماء والكهرباء، واتفاقية شراكة أخرى تتعلق بتدبير وصيانة منتزه "الحسن الثاني" مع الموافقة على فتح حساب خصوصي للمساهمة في تدبيره وصيانته بين كل من وزارتي الداخلية والاقتصاد والمالية، والمديرية العامة للجماعات المحلية، والمديرية الجهوية لأملاك الدولة بالرباط، وولاية جهة الرباط -سلا -القنيطرة، وعمالة الرباط، ومجلس عمالة الرباط، وشركة الرباط جهة للتهيئة، وجماعة الرباط، مع فتح حساب خاص لهذا الغرض.
وفي ما يتعلق بتحسين الولوج للخدمات والتجهيزات الاجتماعية للقرب ودعم الحكامة الجيدة، فقد شهد قطاع الصحة على صعيد المدينة إعادة بناء المستشفى الإقليمي مولاي يوسف، وتهيئة وتجهيز المراكز الصحية والمستوصفات الاستشفائية للقرب، وتعزيز الوحدات المتنقلة للطب الاستعجالي والإنعاش.
أما في الشق المتصل باقتناء التجهيزات الطبية الخاصة بالمستشفى الإقليمي مولاي يوسف، وفق المصدر ذاته، فقد تم توقيع الملحق رقم 1 لاتفاقية الشراكة المتعلقة بتحسين جودة الخدمات الصحية بعمالة الرباط خلال الفترة 2014-2020 بين وزارة الصحة وولاية جهة الرباط- سلا- القنيطرة، ومجلس عمالة الرباط وجماعة الرباط وشركة الرباط جهة للتهيئة، بكلفة إجمالية تناهز 639 مليون درهم موزعة بين الشركاء، ساهمت جماعة الرباط بمبلغ 15 مليون درهم .
وبموجب هاته الاتفاقية، جرى تكليف شركة الرباط الجهة للتهيئة من أجل إنجاز الأشغال المتعلقة ببناء المستشفى الجهوي بالرباط، وبناء وتجهيز قسم حفظ الصحة والسلامة العمومية ومستودع جديد للأموات بمواصفات حديثة، وبناء مركز تصفية الكلي ومركز للتشخيص متعدد الوظائف بالمستوصف الصحي النهضة 2 عوض مستوصف قصر البحر، وبناء مستودع للأدوية بالمركز الصحي حي النهضة 2، مع تمديد الجدولة الزمنية لإنجاز المشاريع الى غاية 31 دجنبر 2020.
قطاع التربية والتعليم، من جانبه، عرف تأهيل المؤسسات التربوية، وإحداث أقسام للتعليم الأولي بالمدارس التربوية الابتدائية، وإصلاح المرافق الرياضية للمؤسسات التعليمية دعما لانفتاحها على محيطها السكني، مع إحداث مراكز للتكوين المهني بالمؤسسات التربوية الشاغرة.
أما قطاع الشباب والرياضة فسيعرف بناء وتجهيز أربع قاعات مغطاة للرياضات الجماعية، وتأهيل ست قاعات مغطاة، مع بناء وتأهيل المرافق السوسيو رياضية للقرب، بالإضافة إلى إحداث مسبحين أولمبيين.
وعلى الصعيد الاجتماعي، يحيل المشروع على بناء وتجهيز مراكز سوسيو تربوية جديدة لمختلف الفئات العمرية، وبناء وتأهيل مؤسسات الرعاية الاجتماعية لفائدة الأشخاص المعاقين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والأشخاص في وضعية صعبة، والنساء المعوزات والأطفال الأيتام المنحدرين من أسر فقيرة، مع دعم النسيج الجمعوي المشرف على تدبير شؤون مؤسسة الرعاية الاجتماعية والمراكز السوسيو تربوية، دونما إغفال لتحديث الإدارة الترابية والجماعية.
أما محور تعزيز وتحديث تجهيزات قطاع النقل الطرقي والسككي، فقد تم إحداث محطتين طرقيتين جديدتين، وإحداث محطة جديدة للقطارات، وتهيئة محطة القطار الرباط-أكدال، وتهيئة موقف السيارات المحاذي لمحطة القطار الرباط -المدينة، وتمديد خطي الطرامواي رقمي 1 و 2، وإحداث محطات مندمجة بين مختلف وسائل النقل، وأيضا تعزيز أسطول حافلات النقل الحضري وتطوير بنياته الخدماتية، وإحداث ممرات خاصة بحافلات النقل الحضري، كما تم في هذا الإطار توقيع اتفاقية شراكة من أجل تمويل وإنجاز مشروع المحطة الطرقية للرباط بين كل من وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، وجماعة الرباط، وولاية جهة الرباط -سلا -القنيطرة و شركة الرباط جهة للتهيئة، بكلفة مالية قدرت في 160 مليون درهم، بلغت مساهمة جماعة الرباط ضمنها 40 مليون درهم. كما جرى في السياق ذاته توقيع اتفاقية شراكة تتعلق بتمويل وتهيئة وصيانة مسارات خاصة بحافلات النقل العمومي الحضري بعمالات الرباط – سلا- تمارة بين وزارة الداخلية وولاية جهة الرباط -سلا -القنيطرة، ومؤسسة التعاون بين جماعات "العاصمة"، وجماعات كل من الرباط وسلا وتمارة، وشركة الرباط الجهة للتهيئة، تنص على تخصيص المقاطع الطرقية المحددة بالاتفاقية والقيام بعملية الصيانة المنتظمة لها. وبشأن تعزيز وتقوية البنية التحتية والشبكة الطرقية فقد جرى تأهيل المداخل الرئيسية للمدينة، لاسيما تثنية الطريق الجهوية 401 في اتجاه شارع محمد السادس على مسافة 12 كيلومتر، وتثنية الطريق الرئيسية رقم 4025 بين أم عزة والرباط على مسافة 16,5 كيلومتر عبر الولجة، وإنجاز المدار الداخلي الحضري انطلاقا من مدار هيلتون عبر شارع تادلة تجاه منطقة الولجة وصولا الى مدار القاعدة الجوية بسلا، وإعادة هيكلة المدار الحضري المؤدي لشمال الرباط انطلاقا من الطريق السيار الآتي من الدار البيضاء، كما تشهد الشوارع الكبرى أشغال تهيئة وتوسيع، فيما تعيش المدارات الطرقية على وقع التأهيل لاسيما باب زعير وملتقى شارع النصر وشارع بن الوزان.
فبالإضافة إلى إحداث ممرات تحت أرضية لضمان انسيابية حركة السير، وإنجاز دراسة شاملة لشبكات النقل والحركية داخل المجال الحضري في أفق إعداد مخطط النقل الحضري، مع إنجاز مواقف للسيارات تحت أرضية لاسيما بكل من باب الأحد وساحة باب الجديد، وقرب مسرح محمد الخامس، تم إنجاز أشغال ترصيف الأزقة والشوارع وتأهيل الإنارة العمومية مع تقوية شبكة توزيع الكهرباء والتطهير السائل. وبخصوص حفز الجانب الاقتصادي وتطوير الحركية الاقتصادية والتجارية ودعم القطاعات المنتجة، فقد تم تأهيل وتنظيم مرافق السوق المركزي البلدي، وإدماج قيسارية واد الذهب بالنسيج العمراني التجاري للمدينة العتيقة، وذلك عبر تحويل النشاط التجاري الممارس بهذه الدكاكين إلى داخل المدينة العتيقة، إفساحا للمجال من أجل تهيئة المرآب تحت أرضي بساحة باب الأحد. وتفيد أرقام لجماعة الرباط بأن الكلفة المالية الإجمالية لهذه المشاريع، كما نصت عليها المادة الثالثة من الاتفاقية الإطار محددة في حوالي تسعة ملايير درهم و 425 مليون درهم، موزعة على محاور تهم صيانة وتثمين التراث الثقافي والحضاري للمدينة (940 مليون درهم)، والمحافظة على المساحات الخضراء والمحيط البيئي للمدينة (مليار درهم)، وتحسين الولوج للخدمات والتجهيزات الاجتماعية للقرب ودعم الحكامة الجيدة (مليار و430 مليون درهم)، وحماية وتأهيل النسيج العمراني قدر الغلاف المالي لها بمليار و500 مليون درهم، أما تعزيز وتحديث تجهيزات قطاع النقل الطرقي والسككي فعبأ من جانبه 850 مليون درهم، وبشأن تطوير الحركية الاقتصادية والتجارية ودعم القطاعات المنتجة فقد استلزم الأمر غلافا ماليا يناهز 780 مليون درهم، وتعزيز وتقوية البنية التحتية والشبكة الطرقية (تطلب مليارين و925 مليون درهم)، مع العلم أن هذه التقديرات الأولية عرفت تغييرات وارتفاعات طفيفة بغية ملائمة المشاريع.
يشار إلى أن المساهمة المالية لجماعة الرباط بلغت ما مجموعه، حسب المادة الرابعة من الاتفاقية، مبلغ 710 مليون درهم من مجموع 9 مليار درهم، الكلفة الإجمالية لمشروع الرباط مدينة الأنوار موزعة على خمس سنوات، حسب مجالات البيئة (100 مليون درهم)، والتجهيزات الاجتماعية (20 مليون درهم)، ومحور عصرنة النقل الذي تطلب مبلغ 40 مليون درهم، أما المجال الاقتصادي فاستلزم مبلغ 400 مليون درهم، في حين تم تخصيص غلاف مالي يقدر بـ150 مليون درهم للبنيات التحتية.
فمن شأن هذا الاستثمارات الهامة، أن تسهم في بلورة ملامح قطب ثقافي واعد، تشكل مدينة الرباط فضاءه الواسع، سيمكن دون شك، من تعزيز صورة العاصمة كوجهة ثقافية بارزة، والرفع من الجاذبية السياحية لاكتشاف تراث ثقافي زاخر.
المصدر: الدار – وم ع