الدار/ رضا النهري
عندما أسس المغرب المجلس الأعلى للماء والمناخ، فربما جاء ذلك بشكل متأخر، لكن أن تأتي الأشياء متأخرة خير من ألا تأتي أبدا.
لكن، وفي كل الأحوال فإن المجلس الأعلى للماء وغيره، لن يكون بمقدوره أن يغير الكثير من واقع صار مخيفا أكثر وأكثر، حيث تختفي المياه العذبة شيئا فشيئا من سطح الكرة الأرضية، ومقابل ذلك بدأت أمواج البحر تزحف بقوة أكبر نحو اليابسة. لكن هذا المجلس يمكنه على الأقل أن يدق ناقوس الخطر، وأن يعمل على التقليل من الخسائر فيما يأتي من سنوات.. ومن عقود.
حينما نسترجع ما تفعله مياه البحر بشواطئ مدن مغربية على المحيط الأطلسي مثل الدار البيضاء والرباط وغيرها، حيث ترش الأمواج نوافذ المنازل وتعيق مرور السيارات على الطريق البحري، فليس الغرض التخويف مما هو آت، بل دق ناقوس الخطر بأن المستقبل ينبغي أن يكون أكثر عقلانية مما هو عليه الحال، وأن نترك للبحر مجاله ولا نقترب منه أكثر من اللازم في مدننا ومساكننا الجديدة، بل أكثر من هذا، صار من الحتمي أن نبتعد أكثر عن البحر في مقبل السنوات ونبعد مدننا وطرقنا ومساكننا عن أمواجه.
نحن لا نتحدث عن أمواج تسونامي العملاقة التي نادرا ما تحدث، بل نتحدث عن ظاهرة مستمرة في مختلف مناطق العالم، والمغرب في قلب هذه المعادلة الطبيعية الصعبة.
مقابل هذا العتو الكبير للبحر، صرنا نحس بالفزع ونحن نطالع الإحصائيات التي تتحدث عن ندرة المياه العذبة في المستقبل، إلى درجة يردد الكثيرون أنها ستكون أثمن من الغاز والبترول، ومن يدري، فربما تصبح أثمن اليورانيوم أيضا.
ومن المؤسف أن نرى اليوم مياهنا الجوفية الثمينة تذهب سدى مع أنشطة فلاحية خرقاء مثل زراعة البطيخ الأحمر والأصفر وغيره، وهي زراعات تمص الكثير من ثروتنا المائية، في الوقت الذي تباع هذه المنتوجات المهلكة للماء بثمن التراب، وهذا ما دفع الكثير من البلدان إلى منع، بل تحريم هذا النوع من الزراعات، من بينها الجارة إسبانيا التي قررت أن تستورد منا كل أنواع البطيخ بأضعاف سعره، شرط ألا تستنزف هي ثرواتها الباطنية الثمينة.
ارتكبنا ولا نزال أخطاء استراتيجيه جسيمة في مجال الماء، واستعملنا أخصب الأراضي الزراعية لبناء مدن جديدة، ونبت الإسمنت فوق ثروات مائية حقيقية، ومن يدري لعل يوما ما يأتي ونضطر نبحث في سراديب المدن عن مياهنا الضائعة، أو التي أضعناها بغباء كبير.
المستقبل مخيف، فالبحر يزحف بمياهه المالحة، وثرواتنا المائية العذبة تختفي رويدا..