الطريق إلى البيت الأبيض.. بيت بوتجيج يتصدر الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين
أظهرت النتائج الأولية بعد فرز أكثر من 70 بالمائة من أصوات الديمقراطيين المشاركين في التصويت على اختيار المنافس المباشر للرئيس دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، تصّدر بيت بوتجيج قائمة الديمقراطيين بفارق ضئيل عن السيناتور المخضرم بيرني ساندرز، بينما جاءت النتيجة مخيبة للآمال بالنسبة لنائب الرئيس السابق جو بايدن، وسط أجواء شابها سوء التنظيم دفعت بتأخير الإعلان عن النتائج الأولية لفرز الأصوات لأكثر من 24 ساعة.
تخبط للديمقراطيين في أولى مراحل الانتخابات التمهيدية
بعد فرز 71 بالمئة من الأصوات، حتى لحظة إعداد التقرير، أعلن عن تصّدر بوتجيج قائمة الديمقراطيين في الانتخابات التمهيدية التي شهدتها ولاية أيوا بـ26.8 بالمائة، مقابل بـ25.2 لساندرز الذي كان متوقعًا أن يخوض تنافسًا قويًا مع نائب الرئيس السابق جو بايدن إلا أنه جاء رابعًا بـ15.4 بالمائة، وهو ما يشكل نكسةً كبيرة له في أولى جولات الانتخابات التمهيدية، ويشير لتأثره بقضية مساءلة الرئيس دونالد ترامب من قبل الديمقراطيين في الكابيتول هيل التي ارتبط اسمه بها، بعدما سبقته السيناتور إليزابيث وارن بحلولها ثالثًا بنسبة 18.4 بالمائة.
غير أن الإعلان عن النتائج النهائية شابه الكثير من الجدل واللغط بعد التأخر لوقت متأخر من مساء يوم الثلاثاء نتيجة خطأ بالتطبيق الهاتفي المستخدم في 1700 مركز اقتراع، وفقًا لمسؤولين في الحزب عن ولاية أيوا، وأوضح رئيس الحزب في الولاية ترو برايس أن التأخير في الإعلان عن النتائج كان بسبب “مشكلة تقنية”، نافيًا أن يكون السبب الرئيسي في التأخير “تدخل خارجي” في إشارة للهجمات السيبرانية التي تعرض لها الديمقراطيون في الانتخابات السابقة.
وأضاف المسؤول الحزبي في تصريح تخلله تبرير لما حصل من تخبط في تنظيم الانتخابات التمهيدية، بأن “عدم التطابق في الأرقام” أرجأ الإعلان عن النتائج النهائية لحين التثبت من صحة الأرقام الواردة، مشيرًا إلى علمهم بأن هذه البيانات دقيقة ولدينا أيضًا مسار ورقي”، قبل أن يؤكد على عملهم “ليلًا..نهارًا للتأكد من صحة النتائج”.
وأمام حشد من أنصاره في ولاية نيوهامبشير قال بوتجيج إن الحملة الانتخابية التي بدأها قبل عام من الآن بأربعة موظفين، في ظل عدم وجود المال الكافي لها يرافقها عدم الاعتراف باسمه تصدرت قائمة السباق الرئاسي لاختيار مرشح ديمقراطي، “لاستبدال الرئيس الحالي برؤية أفضل للمستقبل”، في الوقت الذي استغل عمدة نيويورك السابق مايكل بلومبيرغ النتائج الأولية للإعلان عن ضخ المزيد من الأموال على الإعلانات، فضلًا عن توظيفه المزيد في أعضاء حملته الانتخابية.
ويتعين على بوتجيج في حال فوزه بثقة الديمقراطيين هزيمة الرئيس الجمهوري ترامب في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر القادم لإنقاذ الديمقراطيين من المأزق السياسي داخليًا، بعد فشلهم بالحصول على 51 صوت في مجلس الشيوخ لاستدعاء الشهود، الذين كانت شهادتهم ستشكل تحولًا مهمًا في مساءلة ترامب التي تمهد لعزله بعد توجيه الكابيتول هيل تهمتي إساءة السلطة وعرقلة عمل الكونغرس الأمريكي له.
الجمهوريون بأغلبية ساحقة يختارون ترامب
على الجانب الآخر من سباق الوصول إلى المكتب البيضاوي، ساد الكثير من الهدوء في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في الولاية عينها، الذين اختاروا بأغلبية ساحقة ترامب للمنافسة على ولاية ثانية لأربعة أعوام جديدة، رغم دخول الحاكم السابق لولاية ماساتشوستس بيل ويلد، والنائب السابق جو ويلش سباق الانتخابات التمهيدية، والأخير كان من أشد المؤيدين لترامب قبل أن ينقلب ضده في عام 2016.
وبدلًا من التركيز على النتائج النهائية لأولى الانتخابات التمهيدية، وسط يقين بتبرئة مجلس الشيوخ لترامب من التهم الموجهة إليه، انتقد الجمهوريون الأخطاء التنظيمة التي رافقت انتخابات الديمقراطيين، رغم أن حالهم ليس بأفضل من حال الديمقراطيين عندما أعلنوا عن فوز السيناتور ميت روميني في الانتخابات التمهيدية لعام 2012 في ولاية أيوا، قبل أن يعودوا بعد أسبوعين للإعلان عن فوز الجمهوري المحافظ ريك سانتوروم بـ34 صوتًا في الولاية نفسها.
واستغل ترامب الأخطاء التقنية التي رافقت انتخابات الديمقراطيين بتوجيه انتقادات لهم بسيل من التغريدات عبر حسابه الرسمي على منصة تويتر، وذلك قبل ساعات قليلة من توجهه إلى مبنى الكابيتول لإلقاء خطبة الاتحاد وسط رفض عديد الأعضاء الديمقراطيين الحضور احتجاجًا على ترامب، وأجواء مشحونة تجنّب فيها مصافحة زعيمة الديمقراطيين نانسي بيلوسي، ما جعلها تعمد إلى تمزيق النسختين الورقيتين من كلمة الرئيس، موضحةً أن ذلك كان “الشيء المهذب مقارنة بالبديل”.
وقال ترامب في واحدة من تغريداته: “متى سوف يبدأ الديمقراطيون بإلقاء اللوم على روسيا بدلًا من الاعتراف بسوء إدارتهم في الكارثة الانتخابية التي حصلت في ولاية أيوا العظيمة؟”، في إشارة للتدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية السابقة، وهو ما خلص إليه تقرير المحقق الخاص روبرت مولر سابقًا دون أن يكون لإدارة ترامب الحالية علاقة بذلك.
When will the Democrats start blaming RUSSIA, RUSSIA, RUSSIA, instead of their own incompetence for the voting disaster that just happened in the Great State of Iowa?
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) February 4, 2020
واستمر ترامب بالهجوم على الديمقراطيين واصفًا حدثهم الانتخابي بأنه “كارثة حقيقية”، مضيفًا أن “الحزب الديمقراطي في أيوا ارتكب الكثير من الأخطاء، لكن الحزب الجمهوري نجح”، وتابع في تغريدته “لقد تمتعت بأكبر نسبة من الأصوات التي أعادت انتخابي في ولاية رائعة.. وبنسبة أكبر بكثير من النسبة التي حصل عليها الرئيس أوباما في السابق. 97 بالمائة من الأصوات! شكرًا أيوا!”.
The Democrat Party in Iowa really messed up, but the Republican Party did not. I had the largest re-election vote in the history of that great state, by far, beating President Obama’s previous record by a lot. Also, 97% Plus of the vote! Thank you Iowa!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) February 4, 2020
وفيما تجاهل الديمقراطيون الذين احتلوا المراكز الثلاثة الأولى خلف بوتجيج – وهو ما لمسناه عبر منصاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي حتى لحظة إعداد التقرير عينه – توجيه الانتقاد لترامب بسبب موقفه من عدم مصافحة بيلوسي أثناء تسليمه لها خطاب الاتحاد مطبوعًا، مقابل التركيز أكثر على برنامجهم الانتخابي، فإن بوتجيج انتقد عبر حسابه الرسمي على منصة تويتر أسلوب ترامب في مبنى الكابيتول، مشيرًا إلى أن ترامب قدم خطابه بـ”النهج نفسه الذي تسبب في تقسيم” الولايات المتحدة، داعيًا الديمقراطيين للتوحد من أجل مواجهته.
التحضيرات للانتخابات التمهيدية تبدأ قبل عام
عادةً ما تبدأ التحضيرات للانتخابات التمهيدية قبل عام كامل من موعدها بإعلان الأسماء الراغبة في التنافس على بطاقة خوض سباق الوصول للبيت الأبيض، وكان 27 ديمقراطيًا قد أعلنوا في وقت سابق رغبتهم خوض الانتخابات التمهيدية، قبل أن ينسحب 16 ديمقراطيًا مقابل 11 آخرين قرروا المضي قدمًا في السباق حتى النهاية، قبل أن ينضم إليهم في وقت متأخر المرشح بلومبيرغ الذي سيدخل السباق الانتخابي للديمقراطيين رسميًا في انتخابات الثلاثاء الكبير، ليصبحوا 12 مرشحًا.
وتبدأ المرحلة الثانية للانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا عن طريق إطلاق سلسلة من المؤتمرات الحزبية تستمر لبضعة ساعات قبل أن يشرع الديمقراطيون بالتصويت على مرشحهم من خلال إحصاء الأصوات أو رفع الأيادي، وكان الديمقراطيون قد اتخذوا قرارًا بتنظيم مؤتمرات حزبية في أربعة ولايات فقط (أيوا، داكوتا الشمالية، نيفادا، وويومينغ) لهذا العام.
وبعد ثمانية أيام من المؤتمرات في أيوا تنتقل الانتخابات لمرحلتها الثالثة في ولاية نيو هامبشير (تنطلق في 11 شباط/فبراير الجاري) حيث تبدأ الانتخابات التمهيدية الأولى باجتماع الناخبين فيها ضمن أماكن محددة في أوقات معينة، بستطيع من خلالها الناخبون الاقتراع والتصويت سرًا، وفي الانتخابات التمهيدية كلما زاد عدد الأصوات التي يحصل عليها المرشح في الاجتماع الحزبي أو الانتخابات التمهيدية، يزداد عدد مندوبي المرشح.
ووفقًا للعام الجاري فإنه يتوّجب على المرشح الحصول على 15 بالمائة على الأقل من الأصوات في أي من المؤتمرين ليتمكن من الحصول على مندوبين، قبل أن تتوجه الأنظار لما يعرف بـ”الثلاثاء الكبير” الذي يشهد تصويت 16 ولاية مجتمعة على مرشحها المفضل في الانتخابات التمهيدية أو المؤتمرات الحزبية، وحُدد يوم الثالث من مارس القادم موعدًا لها، ويتوقع أن تتكون صورة واضحة عن المرشح المحتمل للديمقراطيين في انتخابات “الثلاثاء الكبير”.
وعند الانتهاء من الاستراحة لمدة أسبوع واحد، ستبدأ المرحلة الخامسة من السباق في العاشر من مارس القادم بتصويت 352 مندوبًا في ست ولايات لاختيار مرشيحهم، فضلًا عن التصويت في ثلاث ولايات أخرى في وقت لاحق من الشهر عينه، على أن يعلن الديمقراطيون رسميًا عن مرشحهم خلال مؤتمرهم الخاص المزمع تنظيمه في ولاية ويسكونسن ما بين 13 – 16 يوليو القادم.
ويكون للمندوبين (3979 مندوبًا) في هذا المؤتمر دور أساسي في اختيار المرشح النهائي للديمقراطيين، ويسمي الديمقراطيون مرشحهم رسميًا لانتخابات الرئاسة في حال حصل على أكثر من 50 بالمائة من مجمل الأصوات في المؤتمر، وفي حال لم يتجاوز المرشحين نسبة 50 بالمائة فإنهم ينتقلون إلى المرحلة الثانية من التصويت، وتسود توقعات بأن يواجه الديمقراطيون في مؤتمرهم الحزبي تصويتًا ثانيًا، نظرًا لوجود 12 مرشحًا، على أن ينضم للمندوبين قرابة 771 مندوبًا من كبار مسؤولي الحزب السابقين والحاليين.
لماذا يبدأ المرشحون سباقهم الانتخابي من أيوا؟
من المفترض أن ترجح نتائج الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا بنسبة كبيرة المرشح النهائي للديمقراطيين في سباقهم للمكتب البيضاوي، وهي نظرية ترجع للرئيس السابق جيمي كارتر الذي تمكن من الحصول على دفعة كبيرة في انتخابات الرئاسة التمهيدية للديمقراطيين في عام 1976، وسط تقديرات تشير لتوافق الديمقراطيين على مرشحهم بعد نتائج الانتخابات التمهيدية في أيوا بنسبة 55 بالمائة مقابل 43 بالمائة للجمهوريين، ويستثنى ترامب من القاعدة لهذا العام نظرًا لتوافق الجمهوريين عليه كمرشح نهائي.
إلا أنه لا يمكن اعتبار أن ولاية أيوا هي الممثل الوحيد للولايات المتحدة مجتمعة، لكنها بالنسبة للديمقراطيين تمثل خليطًا من المجتمعات المتنوعة مثل: جيل الشباب، الليبراليين البيض، الأمريكيين من أصول أجنبية وغير المتدينين، إضافةً لسكان المدن، وخلافًا لذلك فإن نسبة الأمريكيين البيض في الولاية تبلغ 90 بالمائة مقابل ثلاثة بالمائة من أصول غير أمريكية، فضلًا عن أن تعداد كبار السن غير مألوف مع كثافة سكانية في الريف، ويقول موقع فوكس الأمريكي عن أيوا إنها “لا تبدو حقيقة مثل أمريكا.. وليست ممثلةً لقاعدة الديمقراطيين”.
وتكمن أهمية الانتخابات التمهيدية في الولاية بأن المرشحين الذين يحصلون على أرقام متدنية في النتائج النهائية لفرز الأصوات يقومون بالانسحاب من السباق الانتخابي، مما يسمح أولًا بانضمام المندوبين لأحد المرشحين المستمرين في خوض السباق، وفي المرتبة الثانية حصولهم على دعم مالي أكبر لحملتهم الانتخابية، وهو الأمر الذي يحصل بشكل دائم بعد إعلان الولاية النتائج النهائية.
وكان خبراء قد أشاروا في حديثهم لموقع NPR الأمريكي إلى أنه لا يمكن لأيوا وحدها اختيار رئيس الولايات المتحدة، لكنها تلعب دورًا مهمًا عبر التضييق على المرشحين بعد صدور النتائج، مشيرين إلى أنه إذا أردنا أن نكون أكثر إنصافًا في التعليق على نتائج انتخابات الولاية، فإنها “ليست كل شيء أو نهاية كل شيء”، كما أنها لا تقوم “بصناعة الملوك”، نظرًا لأن أيوا ليست إلا عبارة عن رحلة طويلة لا أكثر في الطريق للمكتب البيضاوي.
“أيوا صدمت الدولة” باختيارها بوتجيج
عند المقارنة بين الديمقراطي الشاب بوتجيج (38 عامًا) والسيناتور السياسي المخضرم ساندرز (78 عامًا)، يمكننا توقع أن تكون المنافسة النهائية على مرشح الديمقراطيين لانتخابات الرئاسة الأمريكية بين أصغر وأقدم المرشحين، وفيما يتصف بوتجيج بالاعتدال وفقًا لحملته الانتخابية بحسب وكالة أسوشييتد برس الأمريكية، فإن ساندرز الذي يصف نفسه بأنه “اشتراكي ديمقراطي” يعد بإجراء إصلاحات شاملة للسياسات المحلية.
وقالت المساعدة السابقة في البيت الأبيض جينيفر بساكي إن وجود منافسة بين “عمدة شاب مثلي الجنس من بلدة صغيرة في الغرب الأوسط” في إشارة لبوتجيج، يقف في مواجهة “اشتراكي يبلغ من العمر 80 عامًا تقريبًا”، ستجعل الديمقراطيين “يشككون في تنبؤاتهم” لمعرفة المرشح النهائي للحزب، فإذا كان بوتجيج في حال ربح السباق الانتخابي سيكون أول رئيس من مجتمع LGBT في تاريخ الولايات المتحدة، وإن كان ساندرز سيكون الرئيس الأكبر سنًا في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أن الأمر برمته يقف عند المرحلة الأخيرة في السباق للبيت الأبيض، وإن كان بإمكان أي من الاثنين الفوز على ترامب المدعوم من الجمهوريين والمحافظين ومؤيدي العرق الأبيض الأمريكيين.
وعلى عكس بوتجيج الذي يشغل منصب عمدة ساوث بيند دون أن تتضمن سيرته الذاتية تاريخًا سياسيًا حافلًا، أمضى ساندرز ثلاثة عقود من الزمن في واشنطن بدأها في الكابيتول هيل كنائب عن ولاية فيرمونت ما بين عامي 1991 – 2007، قبل أن يصبح سيناتورًا في مجلس الشيوخ عن الولاية عينها منذ عام 2007 حتى الآن، والأمر ذاته ينطبق على بايدن أو حتى إليزابيث وارن السيناتور عن ولاية ماساتشوستس منذ عام 2013.
المصدر: الدار– وكالات