الدار/ افتتاحية
لم يكن ياسر عبادي موفقا لا في التوقيت ولا في المضمون وهو يخط على صفحته في الفايسبوك تدوينة يصف فيها النظام ب”الديكتاتوري الإرهابي”، ويتهمه باختطاف وتعذيب متظاهري حراك الريف. وبينما كانت تدب في أوصال الإعلام أخبار قادمة من بعيد عن إمكانية صدور عفو شامل على كافة المعتقلين المذكورين، خرقت تدوينة نجل الأمين العام لجماعة والعدل والإحسان جدار التضامن والوحدة التي يعيشها المغاربة هذه الأيام في مواجهة أزمة تفشي فيروس “كورونا”، لتبدو نشازا صريحا في سياق إجماع وطني غير مسبوق لم يتحقق منذ سنوات. وفي حين كشفت المصادر الأمنية أن التوقيف كان بسبب تهمة “التبليغ عن جريمة يعلم بعدم حدوثها” في إشارة إلى اتهامات التعذيب والاختطاف، أعلنت جماعة “العدل والإحسان”، في الساعات الأولى من صباح الجمعة، عن اعتقال ياسر عبادي، بحضور مجموعة من القوات العمومية، مستغربة لاعتقاله.
لكن هذا الاستغراب لم يكن موفقا بدوره على اعتبار معرفة جماعة العدل والإحسان معرفة صميمة بالظرفية الخاصة التي يمر بها المغرب في الوقت الراهن. فإلى جانب القذف والتشهير الصريح الذي تضمنتها تدوينة ياسر العبادي، تزداد هذه التدوينة خطورة بالنظر إلى السياق الذي كتبت فيه. فالوضع يتميز باستنفار كامل تعمل فيه كل أجهزة الدولة ومؤسساتها بإيقاع مضاعف، وتبذل قصارى جهودها لإنجاح الحجر الصحي، وتجنيب المواطنين مخاطر العدوى بفيروس كورونا، ناهيك عن تعبئة غير مسبوقة لكل الإمكانات المادية والبشرية، الأمنية والطبية، من أجل التصدي لترويج الأخبار المزيفة والأنباء الكاذبة التي تثير مخاوف الناس وقلقهم، وتهدد بإثارة الفوضى والارتباك.
ووسط هذا الاستنفار، الذي يسير بخطى حثيثة نحو العبور إلى الضفة الآمنة، يخرج الشاب عبادي بهذه التدوينة المستفزة، التي يصعب التعاطي معها كتدوينة عابرة وعادية، كتلك التي اعتاد كتابتها منذ زمن. لا أحد يمكن أن يطعن في حرية النشطاء في انتقاد النظام والحكومة، بل ومعارضتهما، فهذه مسألة تدخل في نطاق الحقوق الدستورية، لكن النقد والمعارضة لا يعني كيل الاتهامات الكاذبة، والملفقة، التي لم تثبت بالدليل القاطع. لقد سبق للقضاء أن حسم مرحليا في قضية معتقلي الريف، كما أن الملف لا يزال تحت نظر التقاضي، إضافة إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان قدم رأيه في هذا الموضوع، ناهيك عن المتابعة التي يحظى بها الملف من طرف المجتمع المدني والحقوقي.
من الواضح إذا أن هذه التدوينة تنفيس عن الإحباط، بل والصدمة، من نجاح الدولة في إثبات تماسكها وانسجامها وتناسق إجراءاتها المتخذة لإدارة أزمة كورونا.
لقد تبين للجميع منذ بداية هذه الأزمة، تلك الحاجة الملحة للدولة الراسخة ومؤسساتها الناجعة، وهو الأمر الذي أجمع عليه كل المغاربة بكافة أطيافهم وتوجهاتهم، وهم يمتثلون للتدابير المتخذة.
فهل تدل تدوينة ياسر عبادي المحبطة على أن جماعة العدل والإحسان كانت تراهن على ارتباك الدولة وربما انهيارها بسبب أزمة فيروس “كورونا”؟