10 دروس من أزمة كورونا: من أجل استخلاص العبر لبناء مغرب الغد
لحسن السعدي*
يخوض وطننا الحبيب شأنه شأن العالم أجمع تحدّيا من نوع جديد ضد فيروس قاتل ينتشر في العالم بسرعة فائقة، فيصيب الآلاف ويقتل المئات كل يوم، غير مفرّق بين مواطن غني وفقير، أو دولة متقدمة أو في طور النمو أو عالم أول أو ثالث. فخلال فترة قصيرة، أجبر فيروس كورونا عشرات الدول على غلق حدودها، وحظر تجول مواطنيها، وإعادة تقييم أولوياتها الداخلية والخارجية. وهو ما يطرح أسئلة كثيرة بشأن تبعات ما يحدث على البلدان المختلفة والعالم؟
أولا: نحن أمام أزمة صحية بامتياز. الأزمة الراهنة ناجمة عن انتشار فيروس مستجد انطلق من الصين ليغزو العالم مخلفا الآلاف من الضحايا بين من توفي ومن تعافى ومن لا يزال يواجه الموت على أسرة المستشفيات. إن سرعة انتشار الفيروس وشراسته في مهاجمة ضحاياه، خصوصا بين كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، وضعا ضغطا هائلا على أعتى الأنظمة الصحية في مختلف الدول، نظرا إلى ما يتطلبه من أدوات تعقيم وأجهزة تنفس وغرف عناية مركزة، وأطقم طبية ضخمة ومجهزة. كشف الفيروس ضعف استعداد أكبر الدول، بما في ذلك أميركا نفسها، فيما يتعلق بتجهيزات الطوارئ والاستعداد لجائحة كبرى مثل كورونا.
ثانيا: نحن أمام جائحة ترخي بظلالها على مختلف مناحي الحياة، ذلك أن نجاح الحجر الصحي الذي اختارته مجموعة من البلدان يستلزم التزام الساكنة بالجلوس في بيوتها وبالتالي فقد أغلقت المحلات وأقفلت المقاولات والشركات والمصانع وتضررت الاقتصادات وأصبحت الدول أمام مصيرها المحتوم، والبقاء آنذاك للأقوى والأذكى، وتمت المناداة على الخبرة الوطنية والصناعات المحلية وفتحت المخازن لتزويد الأسواق، وأحدثت الصناديق لدعم الاقتصاد والمواطنين الذين تضرروا من الحجر لتطرح أسئلة كثيرة حول مدى جاهزية الدول واستعدادها لتدبير مثل هاته الأزمات.
وفي المغرب، أصبح من اللازم الوقوف وقفة تأمل لاستنباط العبر والدروس من أجل استشراف أفضل لمغرب الغد، ولعل أهم تلك الدروس التي يمكن الإشارة إليها من أجل التفكير في مرحلة ما بعد كورونا لهي على الشاكلة التالية:
الدرس الأول: الدولة في الموعد L’Etat au rendez-vous
لا يختلف أي مواطن مغربي اليوم على أن الدولة المغربية وعلى رأسها ملك البلاد محمد السادس نصره الله كانت في الموعد وكسبت احترام وتقدير المغاربة عموما وجعلتهم يفتخرون بكونهم مواطنين مغاربةـ فقد تجندت كل السلطات والقوى الحية في خندق واحد وموحد في الحرب ضد جائحة كورونا. وتم اختيار المواطن على حساب التضحية بالاقتصاد واتخذت الإجراءات الاحترازية الاستباقية حماية لصحة المغاربة بكل شجاعة وفي جو عالي من السيادة والحزم.
لذلك أصبح واضحا أنه ينبغي الحرص في مغرب ما بعد كورونا على الحفاظ على مظاهر التضامن الاجتماعي والحس الوطني والخوف على الوطن والمواطنين من كل مكروه، من خلال سهر جميع مؤسسات الدولة على الإبقاء على نفس التعبئة ونفس النمط التواصلي وسياسة القرب وبث الإحساس بالأمان والوطنية العالية.
الدرس الثاني: من أجل استكمال معركة الوعي والثقافة
الاستثمار في الثقافة الهادفة واعداد خطة وطنية لمحاربة الجهل أصبح لازما في مغرب ما بعد كورونا، ذلك أن شريحة مقدرة من المواطنين المغاربة أخلفت الموعد مع التاريخ في زمن كورونا وأثبتت أن هناك خللا في الأخلاق العامة والالتزام، ولعل الرقم الكبير للمتابعات القضائية جراء نشر الاشاعات وخرق حالة الطوارئ الصحية وسب وضرب القوات العمومية لمؤشر كبير على أن معركة الوعي هي ورش كبير يجب أن يبدع فيه الفاعل السياسي والمدني مستقبلا. وسيكون للإعلام والمسرح والسينما والمدرسة والأسرة دور محوري في هاته المعركة الحاسمة.
الدرس الثالث: خطأ مقولة “يجب أن ترفع الدولة يدها عن التعليم والصحة”.
كثير من المغاربة يصرح اليوم بأن الدولة المغربية لم تجد بجانبها في ظل المعركة ضد كورونا إلا أبنائها البررة، أي القطاع العمومي، في الصحة والتعليم والإدارة. فرغم اجتهاد القطاع الخاص ورغم بعض المبادرات المعزولة إلا أن التجربة أظهرت بأن القطاع العام هو الذي كان في المستوى المطلوب وأدى الدور كما يلزم. وبالتالي فإن من قال ذات يوم بأن الدولة يجب أن ترفع يدها عن التعليم والصحة فقد أخطأ وكاد يرتكب خطأ كبيرا. ومنه فإن مغرب ما بعد كورونا ينبغي أن يستثمر في عمومية التعليم ومجانيته ويحرص على دعم الموارد البشرية وتحسين ظروف العمل وجودة التعلمات وتكافؤ الفرص في الولوج والاستفادة. نفس الشيء بالنسبة للصحة، فالأزمة اليوم في العالم أزمة كبيرة في القطاع الصحي الذي ظهر بأن الدول كيفما كان مستواها لم تستعد لمثل هاته الظروف فانهارت الأنظمة الصحية التي كانت تعتبر الى حدود الأمس عريقة وقوية. وبالتالي فإن الصحة العمومية في حاجة الى استراتيجية ثورية وتغيير جذري بما يضمن الجودة والمجانية وسرعة الولوج وتكافؤ الفرص وتحسين لمستوى عيش وعمل أصحاب البذل البيضاء. وهو ما يستلزم إجراءات مالية ولوجستيكية شجاعة يجب أن تكون من أولى الأولويات في مغرب الغد.
الدرس الرابع: الرقمنة الشاملة خيار لا محيد عنه
إن حالة الطوارئ الصحية التي اختارها المغرب شكلت عاملاً مُسرعاً لوتيرة رقمنة عدد من الخدمات العمومية، علما أن هذا الورش انطلق منذ سنوات في المملكة وعرف تعثراً كبيرا جعلت مختلف الإدارات تعيش في زمن الورق وزمن اجبارية حضور المرتفقين لقضاء بعض الأغراض التي تكون أحيانا بسيطة. إن مغرب ما بعد كورونا يجب أن يتجاوز الأنماط العادية للشغل والتحول نحو العمل عن بُعد، والطب عن بُعد، والإدارة الرقمية، للحد من وتيرة تنقل المواطنين والزيادة في المردودية وتحصين الاقتصاد من مختلف الازمات والمفاجئات التي قد تواجهنا مستقبلا.
كما أن المنظومة التعليمية الوطنية أتبتت عدم قدرتها على مواكبة تحديات العصر بالشكل اللازم، من خلال التفاوت الكبير في تكافؤ الفرص بين تلاميذ العالم القروي والمناطق الحضرية في الولوج لخدمات التعليم عن بُعد وبالتالي فإن المغرب ملتزم بالابتكار والاجتهاد في تطوير القدرات اللوجستيكية والتكنولوجية وتوسيع رقعة الرقمنة في المنظومة التعليمية مع كل ما يتطلبه ذلك من تكوينات وموارد وآليات لأن التعليم عن بعد خيار وحل من الحلول التي يتوجب على المغرب إيلاءها الاهتمام اللازم واعتمادها سواء خلال الأوقات الاستثنائية، مثل ما يحدث حاليا مع أزمة كورونا، أو في الوضع الطبيعي العادي، إلى جانب التعليم الحضوري.
الدرس الخامس: تحرير العبقرية المغربية
صحيح أن واقع قطاع الصحة المغربي لا يرقى إلى أمثاله في دول أوروبا الغربية وأمريكا، سواء من حيث التجهيزات والبنية التحتية أو من حيث البحث العلمي والطبي، لكن المغرب استطاع أن يُـطور صناعة كمامات ويسعى لتحقيق اكتفائه الذاتي منها بأثمان رمزية، ودون السقوط في فخ السوق العالمي للكمامات. كما بتنا نسمع عن قيام شباب مغربي بتطوير وتصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي وبوتيرة محترمة جدا وبمخترعين شباب يصنعون أقنعة طبية وبوابات للتعقيم وأجهزة لقياس الحرارة عن بعد ورأينا كيف أن الجامعات والمعاهد والمقاولات انخرطت في البحث العلمي للابتكار والتصنيع. ومن خلال هذا الدرس يتبين لنا أن المغرب يعج بكفاءات تلزمها الفرصة والدعم والإيمان بقدرتها على الفعل وما علينا الا أن نفتح لها المجال ونتحرر من عقدة الارتباط بالأجنبي الذي يعرف أحسن منا. وأن نمكن المقاولات المغربية من إمكانيات مشجعة لتصنيع منتوجات في مختلف المجالات ونشجع جميعا علامة ” صنع في المغرب”.
الدرس السادس: من أجل صناعات محلية تحقق الاستقلالية والاكتفاء الذاتي
من دروس هاته الأزمة أنها أثبتت بأن الدول لا يمكنها أن تعتمد، في الحالات الاستثنائية، سوى على إمكانياتها الذاتية، لذلك تعتبر هذه الأزمة فرصة لمراجعة سياساتنا الصناعية والتجارية الوطنية وإعادة النظر في اتفاقيات التبادل الحر والسياسة التصديرية. إن مغرب ما بعد كورونا يجب أن ينتج كل ما يضمن الأمن الغذائي للمغاربة فوق الأرض المغربية بجودة عالية وبأثمنة تنافسية وأن نشجع المغاربة على استهلاك المنتوجات المغربية والاقبال عليها.
والأكيد أن هذه الأزمة ستغيِّر كثيرا في سلسلات الإنتاج العالمية، وستغير بعض مواقعها مستقبلا، وستزيد أكثر من اعتماد الدول على إمكانياتها الذاتية. ولأن المغرب دولة فلاحية فإن إمكانيات الصناعات التحويلية والغذائية متاحة بشكل كبير خاصة مع استحضار دخول استراتيجية الجيل الأخضر لحيز التنفيذ وما يمكن أن توفره من فرص للتطور.
صحيح أن المغرب اختار الانفتاح وسياسة اقصاد السوق لكن هذا الانفتاح أدى إلى التبعية في أصعدة عدة وجعل اقتصاد المغرب مرهونا بالحالة التي يكون عليها الجو العام لدى الشركاء الاقتصاديين للمغرب، وهؤلاء الشركاء هم اليوم أكثر ضحايا جائحة كورونا وبالتالي ستبحث هذه الدول عن تعافيها الداخلي وستعيد النظر في العديد من قراراتها الاقتصادية مما قد ينعكس على اقتصاد المغرب. ومن هذا المنطلق سيكون من الواجب أن يفكر المغرب فيما يلي:
- ايجاد بدائل حقيقة للموارد عوض الارتهان بالاستثمارات الأجنبية وتحويلات مغاربة الخارج ومداخيل القطاع السياحي نظرا لهشاشة هاته القطاعات وارتباطها بالمناخ العام العالمي غير المضمون واللامستقر؛
- التوجه نحو سياسة تصنيعية حقيقية؛
- تشجيع أبطال وطنيين في مختلف مجالات الصناعة والتصدير؛
- الاعتماد على المستثمر المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الفلاحية والغذائية؛
- تشجيع المقاولات الوطنية المنتجة للعلامة التجارية “صنع في المغرب”؛
- تنويع الشركاء الاقتصاديين في العالم؛
- هيكلة الاقتصاد الوطني والقضاء التام على السوق السوداء والاقتصاد غير المنظم؛
- إعادة النظر في اتفاقيات التبادل الحر بما يضمن تشجيع المقاولة الوطنية؛
- تخفيف التبعية للخارج فيما يتعلق بالواردات التي يمكن تصنيعها محليا؛
- جذب الاستثمارات النوعية التي يمكن أن تحصن الاقتصاد الوطني ضد مختلف المخاطر والتغيرات.
الدرس السابع: الاقتصاد غير المهيكل تشوه حقيقي وعائق أمام التنمية
يؤكد خبراء الاقتصاد اليوم بناء على العبر المستخلصة من جائحة كورونا بأنه كلما كان اتسعت رقعة الاقتصاد غير المهيكل في دولة من الدول، كلما كانت قدرة الدولة على الاستجابة بشكل كاف لحالة الطوارئ الصحية العامة ضعيفة. ذلك أن ارتفاع نسبة المواطنين العاملين في أنشطة السوق السوداء يُصعب مأمورية تنظيم والحفاظ لفترة طويلة على عمليات الحجر الصحي وانجاح حالة الطوارئ. كما يشكل ذلك عائقا أمام استهداف الفئات المتضررة من تداعيات الجائحة. ولعل التجربة المغربية شاهدة على هذا الأمر فقد وجدت لجنة اليقظة الاقتصادية صعوبة كبيرة في تحديد وحصر الفئات الاجتماعية المستحقة للدعم. كما أظهرت هاته الأزمة ضعف رقعة الحماية الاجتماعية للمواطنين وقصور برنامج المساعدة الطبية الراميد الذي ظهرت اختلالاته خلال هاته المرحلة.
وبالتالي فإن مغرب الغد يجب أن يعمل على ما يلي:
- توسيع قاعدة المواطنات والمواطنين المستفيدين من الحماية الاجتماعية عبر ادماج القطاع الغير المهيكل في الاقتصاد المنظم؛
- اعتماد نظام المقاول الذاتي لجميع المهن التي ما زالت خارج دائرة التنظيم والهيكلة مع تحفيزات ضريبية وحملات تحسيسية؛
- تمكين الفئات والمهن المنظمة من الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية؛
- توسيع دائرة الاعتماد على المعاملات المالية بالبطاقة البنكية والأداء عبر الهاتف والتوجه تدريجيا لحصر التعامل نقدا في المعاملات التجارية؛
- الاستمرار في البرنامج الملكي المندمج لتشجيع الشباب على تأسيس مقاولات بقروض شرف وقروض بنسب مخفضة؛
- دعم الشركات والمقاولات والتعاونيات الخدماتية لاستيعاب وتنظيم جميع المهن الحرة المتعلقة بخدمات القرب (الترصيص، الصباغة، النجارة، الأشغال المختلفة، الميكانيك، الكهرباء المنزلية…).
الدرس الثامن: القيم المجتمعية والحريات والحقوق في مقابل الالتزام والمسؤولية
من محاسن جائحة كورونا أنها أعادت للمجتمع المغربي منظومته القيمية الحقيقية، فظهرت الوطنية الصادقة والتحام الشعب بالملك والخوف الجماعي على الوطن والمواطنين وظهر التماسك الاجتماعي سواء المؤطر أو العفوي، وظهرت المبادرات المواطنة التضامنية، وكان لتوجيه جلالة الملك لإنشاء صندوق مكافحة كورونا أثر بالغ في تعزيز هاته القيم، فاستلهم المغاربة روح التضامن من الملك، فرأينا كيف تضامن الجار مع الجار، وكيف أعفى أصحاب المحلات السكان من سومة الكراء، وكيف هب المحسنون وهبت المؤسسات المنتخبة لتحويل الميزانيات الى مواد غذائية، وتتبعنا كيف ساهم القطاع الخاص والمواطن البسيط في صندوق مكافحة كورونا، وتتبعنا كيف بادر الشباب لإيصال طلبات الأسر للمنازل وظهر الابداع والابتكار في المجال الاجتماعي مجسدين بذلك نموذجا لمجتمع “جْمَاعة” الذي يتكافل فيه الضعيف والقوي ويجود فيه الغني على الفقير. ولعها فرصة لمغرب ما بعد كورونا ليرسخ هاته القيم التي تجسد معدن المغاربة، لأن مجتمعا بدون قيم موحدة لا يمكنه أن يبلغ مدارك النمو والتطور، فالقيم هي التربة الخصبة التي تنمو فيها مختلف المشاريع والاستراتيجيات كبرت أم صغرت.
كما أن الوقت قد حان لتأطير الفعل الاجتماعي في المغرب عبر مؤسسة بدون لون سياسي تضمن العدالة والاستهداف الناجع وتضمن ديناميكية السلم الاجتماعي وتقطع من الاستغلال السياسوي الذي يروم الإبقاء على الطبقات الفقيرة لتظل خزانا يزود بعض الزوايا السياسية بالأصوات إبان الاستحقاقات.
ومن جهة أخرى ظهر بأن المنظومة القانونية المغربية يجب أن تتعزز بمزيد من النصوص القانونية والتشريعات التي تحفظ الأمن العام وخصوصية الأفراد وتقطع من “عشوائية وهوامش الحرية المبالغ فيها في مواقع التواصل الاجتماعي”. فالإشاعة والفتنة أحيانا أخطر من المرض والوباء. ذلك أن دولة الحق والقانون يجب أن تحرص على ضمان الحريات لكن في ذات الوقت أن تحرص على الالتزام والأمن النفسي للمواطنين.
الدرس التاسع: السياسة في زمن كورونا والحاجة الى عرض سياسي بديل
لقد اقتنع المغاربة في زمن كورونا بأن الأحزاب السياسية لم تكن كلها إن لم نقل جلها في المستوى المطلوب، ذلك أن الأزمة أظهرت الفرق بين أحزاب تؤمن بالمفهوم الحقيقي للتأطير كدور دستوري صالح لكل زمان ومكان وبين أحزاب تقتات من الأزمة وتسعى لكسب مكاسب سياسوية ضيقة وأحزاب اختارت أن تختفي حتى تمر الأزمة وتعود لتؤثث الساحة فقط.
كما اكتشف المغاربة بأن المشاركة السياسية هي خيار لا محيد عنه، لأن السياسة هي التي أوصلت بعض الكفاءات لمراكز القرار واستطاعت أن تقف وقفة تاريخية في زمن الأزمة. والمشاركة السياسية هي التي جعلت عكس هؤلاء يصلون لمراكز القرار فيعيتون فسادا فيها أو يجمدون أدوارها بسبب قلة الكفاءة مما جعل بعض القطاعات عاجزة اليوم على أن تسدي للمغاربة أية خدمة. فلو كان المواكن فاعلا سياسيا مؤثرا وحاضرا لما وصل القطاع الصحي لما وصل اليه اليوم من ضعف حقيقي، ونفس الشيء للتعليم والتضامن وقطاعات أخرى كثيرة.
إن مغرب الغد يجب أن يغتنم فرصة وعي المغاربة اليوم ويقظتهم واستفاقتهم ويدمجهم في مسلسل التجربة الديموقراطية الوطنية ويقدم عرضا سياسيا بديلا مبنيا على المنجزات والكفاءة والعمل والابداع والذكاء الترابي.
الدرس العاشر: من أجل مخطط حقيقي لتدبير الأزمات
من الدروس التي لا يجب أن نغفلها للتأسيس لمستقبل أفضل لمغرب الغد هو ضرورة توفر البلاد على استراتيجية العمل بمنطق تدبير الأزمات، فصحيح أن المغرب مر في تاريخه القريب والبعيد بالعديد من الأزمات والمحطات وراكم تجربة وخبرة كبيرة في هذا المجال إلا أن التجربة اليوم أتبتث بأن عنصر المفاجأة في مثل جائحة كورونا جعل عدة دول تتخبط في العشوائية والارتجالية وترتبك أخطاء كبيرة وكثيرة نظرا لعدم توفرها على مخطط لتدبير الأزمات واستراتيجية للتواصل في زمن الأزمة ومنهجية للتعامل مع المستجدات وتدبير المخاطر الشيء الذي يجعل الفاتورة ترتفع والثمن يكون أحيانا باهضا في الصورة والأرواح والسمعة والرصيد من المصداقية.
هذه إذن الدروس العشرة التي يمكن في نظرنا أن تؤسس لمرحلة مقبلة للمغرب، مغرب الوطنية والاعتزاز، مغرب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، مغرب بدولة قوية وبمؤسسات فاعلة، مغرب بقوة صناعية وبحصانة ضد تقلبات الأسواق العالمية، مغرب ينعم فيه المواطن بالحق في الصحة والتعليم والشغل الكريم، مغرب الحقوق والواجبات والقيم المجتمعية المبنية على الوحدة والتضامن والتماسك الاجتماعي، مغرب باقتصاد مهيكل وبمؤسسات تضمن تدبير الجانب الاجتماعي، مغرب يعرف كل أبنائه بمهنهم وحالاتهم الاجتماعية ويوفر لهم ليونة في التدرج في السلم الاجتماعي، مغرب الثقة والكرامة.
*رئيس الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية
(منشور في منصة maba3dcorona)