الدار/ رضا النهري:
لم تكن الصحافة الورقية في المغرب، مثلها كما باقي الصحف الورقية في العالم، تنتظر فيروس “كورونا” لكي تنتبه إلى أزمتها المستفحلة، بل إن الأزمة بدأت منذ سنوات طويلة، أي منذ أن بدأ الأنترنيت يسابق الورق في كسب القراء والمعجبين، فتهاوت صحف الورق شيئا فشيئا، الى أن جاء الفيروس لكي يطلق عليها الرصاصة الأخيرة.
الصحف الورقية في المغرب لم تكن، قبل هذا الفيروس، منتعشة او تعيش في بحبوحة، بل إنها استمرت بفعل دعم وزارة الاتصال، التي كانت تضخ في شرايينها، ولا تزال، ملايير السنتيمات كل عام، وحتى الإشهار الذي كانت هذه الصحف تقتات منه لوقت طويل، تراجع بشكل كبير، بعد ان فرض الواقع التكنولوجي الجديد قوانينه على المستشهرين.
وقبل ظهور الفيروس، كانت أبرز الصحف المغربية اليومية لا تتجاوز مبيعاتها الثلاثين ألف نسخة في اليوم، وبعضها لم يكن يبيع سوى بضع مئات، ورغم ذلك فإن الشجاعة كانت تعوز أصحاب هذه الجرائد على إعلان التوقف، تارة بدعوى الحفاظ على ارزاق العاملين، وتارة بدعوى الانانية، وعوض ذلك فإنهم فضلوا خلق نسخ إلكترونية موازية عوض التوقيف النهائي للنسخة الورقية.
وفي الوقت الذي صارت المواقع الإخبارية الالكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي هي سيدة الزمان والمكان، فإن الصحافة الورقية انهارت عند اول اختبار حقيقي عند ظهور فيروس كورونا، ولا أحد يدري إن كانت ستعود كلها ام أن بعضها ستغتنم هذه “الفرصة التاريخية” للفيروس للتوقف النهائي.
وحتى في حال عودة هذه الصحف فإن مبيعاتها ستواصل الانهيار، حيث ستجد ما تبقى من قرائها قد تعودوا بشكل كامل على مطالعة الصحف الإلكترونية، كما أن المقاهي، التي كانت آخر الزبناء المخلصين للصحف الورقية، ربما لن تعود إلى هذه العادة التي ستدخل متحف التاريخ.
ما تعيشه الصحف الورقية خلال زمن الفيروس، لم تعشه حتى في أحلك الفترات التاريخية، بما فيها الأوبئة الكبرى والحروب الشاملة، مثل الحرب العالميتين الاولى والثانية، لذلك فإن اغلبية مالكي الصحف الورقية يقومون اليوم بتأملات عميقة حول مستقبل مقاولاتهم، والاكيد انهم سيتخذون قرارات مصيرية، والتي ستهدد في الصميم آلاف الصحافيين والعمال والإداريين.