الدار/ رضا النهري:
على مر تاريخ الاسلام، مرت شعيرة الحج بفترات عصيبة، اما توقفت خلالها او قل عدد الحجاج بشكل كبير، مثلما حدث في زمن الأوبئة، وهي كثيرة، او مما حدث حين عمت الفتنة أقطابا كثيرة من العالم الإسلامي، فأفتى العلماء بجواز تعطيل هذه الشعيرة لفترة معينة، لأن درأ المفاسد اهم من جلب المصالح.
ويذكر المؤرخون انه في أكثر من مرة حين أفتى علماء المغرب بتعطيل الحج بسبب قضايا كثيرة، مثل استفحال ظاهرة قطاع الطرق ما بين ارض المغرب والحجاز، او بسبب الخشية من أن يعود الحجاج من المشرق وهم يحملون معهم عدوى الأوبئة التي كانت تنتشر في عدد من بلدان العالم الإسلامي.
وفي زمن تفشي القرصنة المسيحية ضد المسلمين في البحر الابيض المتوسط، كانت مراكب الحجاج من المغرب والأندلس، وايضا من الجزائر وتونس، تتعرض للنهب في عرض البحر، حيث يقوم القراصنة، الذين اتخذوا من جزيرة مالطا مأوى لهم، بنهب وسلب وقتل الحجاج، ورمي جثثهم في البحر، فأفتى العلماء بجواز تعطيل الحج لسنوات طويلة.
اليوم يعيش العالم الاسلامي وضعا ليس أهون من سابقيه، حيث يتفشى الفيروس في كل مكان، مما جعل من العمرة والحج أمرا مستحيلا، فصار من اللازم تدبير هذه المرحلة، على المستوى الروحي والمادي، بكثير من الحكمة وحسن التدبير.
عشرات الآلاف نن المغاربة، إذن، سيجدون انفسهم مضطرين لإلغاء عمرة رمضان او الحج هذا الموسم، وربما لن يتاح لهم ذلك في مقبل الايام، وحتى لو أتيح لهم ذلك فإنهم اليوم أمام امتحان كبير يقضي بأن يكونوا في مستوى ما تعيشه البلاد من هاجس الخوف من هذا الفيروس القاتل، وايضا ما يعيشه عدد كبير من المغاربة من ضيق ذات اليد بعد انقطاع سبل الرزق.
لو ان الذين كانوا يزمعون الحج او العمرة قريبا قرروا ان يتبرعوا بمصاريف ذلك، ولو بنصفه او ربعه، للفقراء والمساكين وفاقدي الشغل والأيتام والأرامل، فإن ذلك سيكون ربحا عظيما لهم وللمجتمع، فليس هناك اعظم عند الله من انسان يفك ضائقة أخيه الانسان، وهناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على ذلك.
وسيكون من الجميل ان يتجند العلماء هذه الايام لتبيان فضيلة التبرع بمصاريف الحج والعمرة هذه الايام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.