الدار/ رضا النهري:
خلال الأيام الماضية، تغيرت الكثير من المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم كله، وانقلبت الموازين في أشياء كثيرة، ولعب فيروس “كورونا” في ذلك دورا محوريا، حيث سيكون له بالفعل ما قبله وما بعد، والعالم لن يعود أبدا إلى ما كان عليه، لأن هذا الفيروس فرض قوانينه الإجبارية التي سيتم العمل بها لزمن طويل.
في المغرب، من أبرز المعادلات المنقلبة مدينة سبتة المحتلة، التي تحولت من مدينة تستقطب الهجرة والمهاجرين السريين، من المغرب ومن عدد من البلدان الإفريقية، إلى مدينة لا تطاق، حيث صارت مشكلتها،مؤخراً، ليس في منع المهاجرين من الدخول إليها، بل في منعهم من الخروج منها.
ولم يكن الخوف من الوباء في حد ذاته المتسبب المباشر في ذلك، فهذه المدينة تحتل مراتب متدنية في معدلات الإصابات من بين كل المناطق “الإسبانية”، بل السبب هو كون هذه المدينة فقدت مؤخراً كل ألقها التجاري والاقتصادي، وأصبحت تشبه جزيرة معزولة ومحاصرة، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.
وقبل بضعة أيام لم يجد عدد من المهاجرين من وسيلة للإفلات من قبضة سبتة سوى السباحة بحرا ومحاولة الوصول الى الشواطئ المغربية، وهذه حالة لم يكن من الممكن حتى تخيلها، فبالأحرى توقعها، حيث يمكنها أن تدخل باب أطرف الطرائف، لأنه ومنذ كانت سبتة ومنذ بدأت ظاهرة الهجرة السرية فإن المعادلة كانت معاكسة تماماً.
ما أفقد سبتة وهجها هو أنه تم إقفال الحدود مع المغرب قبل بضعة أشهر، وتوقف التهريب منها وإليها، وتهاوى الازدهار الاقتصادي في المدينة، كما أن المتبضعين الذين كانوا يقصدون أسواقها الكبرى ومحلاتها التجارية توقفوا عن ذلك، وازداد استفحال الوضع بعد تفشي فيروس كورونا.
وكأن كل هذا لا يكفي، فإن سبتة وجدت نفسها مثل جزيرة معزولة عن إسبانيا، بعد الحجر الصحي، ولم تعد التموينات من لحم وسمك وخبز تأتيها عبر المغرب، فوجدت هذه المدينة نفسها فعلا “مقطوعة من شجرة”، بعد أن كانت، وحتى وقت قريب، تصدر منتجاتها من مختلف الأنواع نحو مختلف مناطق المغرب.