سلايدرفن وثقافة

الكتاب المغاربة .. موسم الهجرة إلى الحجر الثقافي والمعرفي

في ظل حالة الحجر الصحي التي فرضها انتشار الفيروس التاجي، استطاع كتاب مغاربة ابتكار مخارج متعددة لعزلتهم داخل بيوتهم، من خلال استثمارها واعتبارها فرصة يجدر اغتنامها لإعادة ترتيب الأوراق، والتركيز أكثر على الكتابة والقراءة.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعداه، إذ لجأ بعضهم إلى النبش في خزانات كتبهم، في سعي حثيث لاكتشاف كتاب تائه، أو وثيقة ضائعة، أو معلومة ثمينة يمكن أن تشكل نواة مشروع ثقافي أو فني مستقبلا.

وفي ظل هذه اللحظة الاستثنائية الطارئة، انفتحت وكالة المغرب العربي للأنباء على كتاب وشعراء ومبدعين، من أجل التعرف على كيفية تكسيرهم حاجز العزلة، وتدبير فائض الزمن لديهم، والتحليق في عوالم الإبداع دون المس بإجراءات الحجر الصحي.

 وفي هذا السياق، أكد الكاتب والباحث في الثقافة المغربية محمد البوزيدي أن فترة الحجر الصحي تعد لحظة جميلة بالنسبة له، رغم إكراهاتها المختلفة، مشيرا في هذا الإطار إلى حاجة الكتاب للهدوء والإنصات إلى ذواتهم أحيانا، وإلى متابعة كل جديد يعتمل في العالم.

وأضاف أنه حافظ، منذ بداية الحجر الصحي، على توقيت منظم للاشتغال يبدأ صباحا برياضة خفيفة، وتصفح الأخبار العالمية والوطنية والمحلية، بإيقاع سريع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي يجب استثمارها، كما قال، إيجابا عبر الإفادات العلمية المتميزة ودورات التعليم عن بعد.

 وحسب كاتب رواية “وطن بحجم غرفة”، فإن الكتابة والقراءة هما بالنسبة له “طقسان لا يفترقان، بل هما رئتاه الثالثة التي يتنفس منها هواء الحياة، لذلك يحرص عليهما بشكل يومي، ويحرر كل يوم بعض الإبداعات المرتبطة بكورونا، على أمل نشرها في وقت لاحق”.

 وتابع أنه عندما يحل المساء يطالع كتبا متنوعة، موضحا أنه حاليا يطالع كتابا فريدا للمرحوم الدكتور عبد الهادي بوطالب تحت عنوان “معجم تصحيح لغة الإعلام العربي”، وهو كتاب يحاول تصحيح بعض أخطاء لغة الإعلام العربي خاصة منه الأخطاء الشائعة.

وأشار إلى أنه عندما يسدل الليل ستاره، يكون لديه متسع من الوقت لرصد الأخبار الوطنية والعالمية عبر مختلف وسائل الإعلام، ومتابعة برامج وثائقية في بعض القنوات الدولية، قبل أن يختم اليوم بقراءة القران الكريم والاستماع لبرامج إعلامية شيقة.

 وفي سياق متصل، اعتبر المتحدث ذاته أن شهر رمضان شكل فرصة مواتية لمواصلة الطقوس نفسها وبإيقاع أكثر وأعمق، مضيفا أنه حدد أهم الكتب التي سيقوم بمطالعتها في هذا الشهر الفضيل، ومنها إعادة قراءة (عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم) لعباس محمود العقاد، و(الأمير الصغير) لسانت اكسبيري وكتب أخرى، ناهيك عن تصفح المجلات والدوريات العلمية الصادرة حديثا، والتي أصبحت متوفرة للعموم على شبكة الأنترنيت.

وفي الاتجاه ذاته، قالت الكاتبة المسرحية والإعلامية بديعة الراضي إنها تعاطت مع هذا الزمن الوبائي من “منطلق التحدي”، الذي اعتادت ممارسته في مواجهة كافة الأزمنة السيئة التي تصادفها.

 ووسط هذا وذاك، تضيف صاحبة رواية “غرباء المحيط”، تحرص على الحفاظ على زمن الكتابة اليومي، الذي عادة ما يكون خلال الليل، مشيرة إلى أن الزمن الوبائي أحدث تحولا كبيرا في مسار السرد المتصل بكتابة روايتها الجديدة “بيني وبين إستير”.

 وتستطرد هذه الكاتبة قائلة إنها تقسم وقتها بين مسؤوليتها المهنية عبر ممارستها عن بعد، من خلال متابعة كافة الأخبار والتصورات والتحليلات المصاحبة للملفات المطروحة عليها كعضو في الهيئة العليا للسمعي البصري (الهاكا)، وأدائها للمهام الموكلة إليها بالمنطقة التي كلفت سياسيا بالإشراف على تدبيرها باعتبارها عضوا في المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

 وعن التزاماتها العائلية خلال فترة الحجر الصحي، أشارت هذه الكاتبة إلى أنها تخصص الوقت الكافي للإشراف على تدبير شؤون بيتها، مع السهر على كل التفاصيل التي تهم كل فرد من أفراد أسرتها.

 أما الشاعر محمد بشكار، فقد لفت إلى أنه اغتنم فترة الحجر الصحي من أجل إعادة ترتيب بيته الداخلي بما يشبه مجتمعا مدنيا مصغرا، موضحا أن طقس القراءة ليس بالغريب عن ظروف العزلة والحجر المنزلي، وحتى لو كان البعض يستحب رفقة الكتاب في أي فضاء خارج البيت، أو المقهى أو الحديقة أو القطار.

ومع ذلك، فقد أقر بأن “الظروف العصيبة الحالية، فرضت علينا بعض الاختيارات المتعمدة في المقروئية”، لذلك لم يشعر، كما قال، إلا وهو يلتهم رواية “كيف أصبحت غبيا” للكاتب الفرنسي “مارتن باج”، وهي “أوديسة صغيرة رائعة ومروعة في ذات الحزن، ليس فقط لأنها تصوغ بيان حقيقة يقنع القارىء أن طريق الذكاء محفوف بالمحن، بل لأنه يكشف أن ما كنا نظنه تفوقا في العقل، لم تتمخض عنه إلا نتائج كارثية تدمر البشر ببراءات اختراعها غير بريئة”.

 وفي ما يتصل بارتباطاته ومسؤولياته المهنية، ذكر أنه يشتغل عن بعد، حيث نقل مقر عمله إلى بيته، مشيرا إلى أنه ينكب بالحماسة المعهودة نفسها على واجباته المهنية والإعلامية التي هو مطالب بأدائها، علاوة على واجباته الاجتماعية الأسرية.

 هي نماذج من كتاب، تمكنوا من تحويل الضائقة الوبائية، التي خيمت على كافة أنحاء العالم، إلى عزلة تفيض بالإبداع والإنتاج، كل حسب انشغالاته.

فالعزلة كانت دوما ملجـأ مفضلا للعديد من الكتاب والمبدعين، لأنها تمكنهم من التركيز أكثر بشأن انشغالاتهم المعرفية والإبداعية، فضلا عن كونها تتيح لهم أخذ مسافة عن العالم، تمكنهم من التفاعل معه بطريقة مغاير ومبدعة.

زر الذهاب إلى الأعلى