الرأيسلايدر

رئيس الحكومة أول من يتحدث وآخر من يفيد

الدار / تحليل

الخرجة الأخيرة لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني أمام كاميرا القناة الأولى كانت زلة تواصلية بكل ما في الكلمة من معنى. لقد كانت خطأ في السياق والمضمون والآفاق أيضا. ما معنى أن يتحدث رئيس الحكومة في حوار كان يترقبه الجميع ولا يقول شيئا يذكر، ثم يخرج بعده وزيره في الصحة ووزيره في التعليم ليقدما الإفادات التي كانت منتظرة؟ هذا يعني أمرين لا ثالث لهما: إن رئيس الحكومة غير مطلع على ما يقوم به وزراءه من مبادرات وما يتوصلون إليه من قرارات، ثم إنه مصر على الظهور قبلهما أمام وسائل الإعلام في محاولة لحفظ ماء وجهه، وممارسة سلطته التي على ما يبدو أنها صورية فقط.

 كان واضحا خلال الحوار التلفزيوني الذي حضره رئيس الحكومة أن الرجل لا يمتلك أي استراتيجية تواصلية تذكر. قبل أن نتوقف عند معضلة عدم امتلاكه لأي جواب عن تصورات الحكومة بشأن خطط رفع الحجر الصحي، لا بأس من استحضار “لغة الخشب” التي طغت على كلامه، لقد بدا العثماني وكأنه يخطب في مهرجان انتخابي جماهيري وهو يتحدث عما أسماه “معجزة غير مسبوقة في تاريخ المغرب” في سياق حديثه عن تمكين 5 ملايين مواطن مغربي من دعم “صندوق تدبير جائحة كورونا”. وعلى ما يبدو فإن الرجل لا يزال غير مصدق أنه رئيس حكومة وأن على عاتقه مسؤوليات سياسية وتدبيرية جسيمة خصوصا في سياق الأزمة التي تمثلها جائحة كورونا.

ومن المفيد لرئيس الحكومة أن يتذكر أن من بين اختصاصاته الدستورية ما يفترض تطوير مهاراته التواصلية بشكل يساعد على تحقيق ذلك الاطمئنان والمصارحة المطلوبين في مثل هذه الظروف الاستثنائية. إذ ينص الفصلان 100 و101 من الدستور على ضرورة وقوفه أمام البرلمان في مناسبتين، مرة لتقديم الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة أمام مجلس البرلمان الذي يعنيه الأمر، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة كل شهر (الفصل 100 من الدستور). ومرة أخرى لعرض الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين (الفصل 101 من الدستور). فهل ينبغي أن ينتظر رئيس الحكومة خطابا مكتوبا وتقارير جاهزة كالتي يحملها إلى البرلمان حتى يستطيع نقل صورة واضحة عن عمل الحكومة إلى المواطنين؟

لقد كان رئيس الحكومة أول المتحدثين عن تدابير رفع الحجر الصحي، لكنه آخر من يمكن أن يحصل منه المواطن على إفادة بخصوص مستقبل حالة الطوارئ وكيفية التعامل معها. لقد تحول حديثه المتكرر عن “السيناريوهات” إلى نكتة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت هزالة المحتوى الذي قدمه للجمهور الملل إلى درجة حولت صورته أمام صحافية القناة الأولى إلى موضوع كاريكاتوري. ماذا لو كان رئيس الحكومة قد حسم في مسألة الموسم الدراسي بناء على المعطيات التي قدمها اليوم وزير التربية الوطنية أمام مجلس المستشارين؟ لن نبالغ إذاً إذا فسرنا ما يحدث بأن رئيس الحكومة لا يرأس كافة القطاعات الوزارية التي يشرف عليها، ولربما يكون الشقاق المزمن بين مكونات التحالف الحكومي وراء هذا الحضور الفارغ الذي ظهر به الدكتور العثماني في البرنامج التلفزيوني.

قد تكون مشكلة رئيس الحكومة في فراغ المحتوى وغياب المضمون والرسالة التي سيقدمها للمواطن، لكن الغريب هو أن الفراغ لا يهم فقط المحتوى بل حتى الشكل، إذ لاحظ الجميع كيف عجز عن الدفاع عن أفكاره والتعبير عنها، وكيف طغى الارتباك والبياضات على كلامه، علما أن الرجل مدجج بفريق من مستشاري الاتصال والتواصل، الذين يتقاضون على ما يبدو رواتب سمينة، من أجل أن لا يقول العثماني في نهاية المطاف شيئا مفيدا.

زر الذهاب إلى الأعلى