الدار/ افتتاحية
يبدو محيط رئيس الحكومة وكأنه بطانة سلطان عثماني محفوفة بسياج من الأسرار والحرس المعروفين والمجهولين. كم هو عدد مستشاريه وموظفي ديوانه؟ في كل مرة يظهر اسم جديد من الأسماء التي يقال إنها تعمل إلى جانب الدكتور سعد الدين العثماني في تقديم التوجيه والنصح في شتى المجالات، والحال أن حضور السيد رئيس الحكومة وتحركاته السياسية لا تنم عن تلقيه أي نصح أو إرشاد من أي جهة كانت، إلا إن كان مستشاروه لا يريدون به خيرا. وأكبر دليل على ذلك هو الفشل المريع في وضع استراتيجية تواصلية محكمة وناجعة تساهم في مأسسة رئاسة الحكومة وتفعيل أدوارها واختصاصاتها الدستورية. فالظاهر أن العثماني لا يزال فعلا، كما سبق أن قال، غير مصدق أنه عين على رأس حكومة البلاد، وهو الذي سبق أن صرح “ماشي من غرائب الزمن أنني نولي رئيس حكومة”.
هذا الغموض الذي يلف الدائرة المقربة من رئيس الحكومة هو الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام الأنباء التي تتحدث عن توظيفه لمستشارين من “العيار الثقيل” من حزبه على رأسهم الوزير السابق في حقيبة الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، إلى جانب كاتب الدولة السابق في التعليم العالي خالد الصمدي. وعلى الرغم من أن الرجلين سبق لهما أن كذبا عملهما إلى جانب رئيس الحكومة كمستشارين بمقابل مالي مجزي، كما سبق أن كشف ذلك لحسن بوعرفة، الناشط الحقوقي والمستشار الجماعي بمدينة كلميمة، إلا أن إنكار خبر كهذا لا يعني أن الغموض قد زال، إذ من المفترض أن يعرف الرأي العام من يشتغل إلى جانب رئيس الحكومة ومن يقدم له المشورة وما هي الكفاءة التي يمتلكها حتى يتبوأ هذا الموقع.
ومناط هذا السؤال غايتان أساسيتان: أولاهما تكريس منطق الشفافية، التي لطالما ادعى حزب العدالة والتنمية دفاعه عنه، بحديثه الدائم عن الديمقراطية الداخلية واحترام مواثيق المبادئ في الحزب وفي المؤسسات التي يسيرها أو يتحالف في إطارها. وثانيتهما هي تكريس منطق الكفاءة التي تعتبر عنوان المرحلة التي نمر بها. يجب أن يعرف الرأي العام كم تكلف بطانة رئيس الحكومة من خزينة الدولة، من أجور المستشارين والخبراء. فلقد قدم لحسن بوعرفة رقما مهولا وهو يتحدث عن مبلغ يعادل 7 ملايين سنتيم كأجر لكل من المستشارين السابقي الذكر. ومن غير المجدي أن ينتظر الناس حتى تبث المحاكم في الدعوى القضائية التي رفعها الوزيران السابقان ضد بوعرفة لكي نعرف فعلا حقيقة توظيفهما وحجم المبالغ التي يتقاضانها.
من الديمقراطي جدا إذا أن يعلن رئيس الحكومة ببساطة عن الفريق الذي يشتغل إلى جانبه، وعن اختصاصات كل مستشار أو خبير من هذا الفريق، ولا بأس أن يصرح بما تكلفه هذه الكفاءات التي وقع عليها الاختيار “الحزبي” طبعا، لتحظى بهذا الشرف، وتؤدي بالسيد العثماني ليتحول إلى مادة كاريكاتورية دسمة تتسابق عليها صفحات التواصل الاجتماعي. إذ من المؤكد أن الرجل لم ينجح في خلق الشخصية الكاريزمية ذاتها التي صنعها سلفه عبد الإله بنكيران، وعجز عن مجاراته سواء في حروبه الكلامية أو مناوراته السياسية.