الدار/ رضا النهري:
منذ عقود طويلة، كان يقال إن الإسبان يتنفسون كرة القدم، ويبدو أن هذا الكلام لا يتميز بالدقة فقط، بل إنه يعكس في الصميم حال بلد تشكل كرة القدم إحدى رئتيه، والرئة الثانية يستخدمها لباقي الأغراض.
هذه المقولة، تعكسها إصرار البلاد على استئناف دوري الليغا، الذي تقرر رسميا أن يعود ابتداء من الثامن من يونيو المقبل، على الرغم من كون إسبانيا عانت كثيرا من تبعات فيروس كورونا، وتعتبر من بين أعلى البلدان في العالم من حيث حالات الإصابات والوفيات، لكن كل هذا لم يمنعها من محاولة تضميد جراحها عبر كرة القدم.
كرة القدم، التي ظهرت في إسبانيا بشكل مبكر، أي في نهاية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اكتسبت موقعا خاصا في قلوب الإسبان، رغم كل التقلبات السياسية التي عرفتها البلاد. ففي أيام الملكية بداية القرن العشرين كانت الليغا الإسبانية مزدهرة، رغم أنها حديثة النشأة، وفي زمن الجمهورية استمرت كذلك، ولم يقصم ظهرها، مؤقتا، سوى الحرب الأهلية الطاحنة التي عرفتها البلاد خلال السنوات الممتدة من 1936 و1939.
وبعد نهاية الحرب الأهلية استعادت الليغا بريقها مجددا وانطلقت بقوة أكبر، رغم خضوع البلاد لحجر سياسي قاس في زمن الدكتاتور فرانسيسكو فرانكو، واستمرت كذلك قوية مزدهرة بعد موت الدكتاتور وتحول البلاد إلى الديمقراطية ابتداء من أواسط سبعينيات القرن الماضي.
ولم تأسر الليغا الإسبانية قلوب الإسبان فقط، بل أسرت قلوب مئات الملايين عبر أرجاء العالم، حيث أن دوريا لكرة القدم يضم فريقين من عيار ريال مدريد وبرشلونة لا يمكنه إلا أن يكون قطب رحى الكرة العالمية.
الليغا، بمواصفاتها المحلية والعالمية، من الصعب تصور غيابها كل هذا الوقت، لذلك فإن عودة مبارياتها، رغم كل التعديلات التي ستطرأ عليها وخلو الملاعب من الجماهير، إلا أنها تشكل خبرا سارا جددا لعشاق كرة القدم في العالم كله.