النقيب السابق.. والأعراض الفصامية للكمامات القاتلة!!
كثير من الناس يتساءلون عن السبب الكامن وراء الهجوم اللفظي العنيف الذي انخرط فيه النقيب السابق محمد زيان في مواجهة وزارة الصحة، إذ لم يستوعب العديد منهم، خصوصا في صفوف نشطاء منصات التواصل الاجتماعي، هذا التحول المفاجئ في عدائية الرجل، وهو ما جعلهم يستفسرون باندهاش كبير: هل يتعلق الأمر بمجرد مساهمة من “الرجل الكبير في السن” في النقاش العمومي الدائر حول آليات تدبير مواجهة جائحة كورونا المستجد بالمغرب؟ أم أن الأمر يتخطى السقف المسموح به للنقاش العام ويتعلق بتصفية حسابات شخصية مع القطاع الوصي على الصحة؟
الجواب بكل بساطة: هو أن وزارة الصحة أصبحت في مرمى “النيران الكلامية والمطبّات الصوتية” للنقيب السابق، لأن مديرية مركزية تابعة لها، هي مديرية الأدوية والصيدلة، كانت قد أنجزت خبرة تقنية على الكمامات القاتلة التي تورط فيها نجل الوزير الأسبق في حقوق الإنسان! ولفهم السر الحقيقي وراء هذه “المفرقعات الصوتية”، تؤكد مصادر طبية عليمة، بأن نتيجة الخبرة التقنية والصحية المنجزة في هذا الموضوع كانت ضد مصالح النقيب السابق ونجله في القضية، إذ خلصت إلى أن “الكمامات المحجوزة مضرة بالصحة العامة وحاضنة بامتياز للفيروسات الجزيئية التي قد تنتقل بسرعة عبر ألياف الكمامات المزورة المحجوزة“.
وليست وزارة الصحة وحدها من أصبحت في مرمى “الرجل الكبير جدا.. في السن”، بل النيابة العامة أضحت توسم بوصف “لالة” حسب تعبير الرجل، لا لشيء سوى أنها قبلت شكاية الضحية في قضية الكمامات القاتلة، وانتصبت خصما شريفا نيابة عن المجتمع، ورتبت على إثر الشكاية الإجراءات المسطرية والآثار القانونية اللازمة، والتي أفضت إلى إيداع الابن صاحب الصفقة وتسعة مساهمين ومشاركين آخرين رهن الاعتقال الاحتياطي، في قضية أسالت الكثير من المداد من محبرة التدوين الافتراضي المخصص لوباء كورونا المستجد.
ولم تسلم الضابطة القضائية بدورها من ” هوس الكاميرات والميكروفونات عند الرجل”، إذ اتهمها بالسعي “لتحريض الشركة العالمية ” Du Pont” على متابعة ابنه في هذه القضية! أليس هذا الاتهام السريالي مدعاة للسخرية؟ إذ كيف للشرطة القضائية المغربية أن تحرض أو تؤثر في قرار شركة عالمية من أجل متابعة نجل النقيب في قضية مرتبطة بوباء كورونا المستجد؟ والأكثر مبعثا للسخرية هي تلكم التبريرات الطوباوية التي ساقها الرجل الكبير في السن، إذ أقر من حيث لا يدري بتورط ابنه في القضية، وذلك عندما قال بأن “الشركة العالمية لم تكن لتتجرأ في أي حال من الأحوال على متابعة ابنه لولا تدخل الأمن الوطني، نظرا لهزالة القيمة المالية للكمامات المزيفة، والتي وصفها بكونها بدون أثر اقتصادي على رقم معاملاتها الذي يناهز الملايير“.
والذي يجهله النقيب السابق، أو ربما يحاول تجاهله عن عمد، هو أن الولاية النوعية لضباط الشرطة القضائية تتمثل في التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها، وعندما راجعت المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة الدار البيضاء مكتب الاستشارة الذي يمثل الشركة العالمية ” Du Pont”، إنما كانت تسعى للتحقق من مدى زورية أو صحة الكمامات المحجوزة، وجمع الأدلة والقرائن اللازمة بشأنها، ولم تكن تضمر في قرارات نفسها أي سعي أو بحث لتأليب هذه الشركة العالمية وتحريضها ضد زيان أو نجله.
كما أن العنصر المادي للجريمة التي تورط في ارتكابها نجل النقيب، كان يقتضي إجراء خبرة تقنية ومراجعة للشركة المصنعة للعلامة التجارية، وذلك للتحقق من مدى توفره، رفقة باقي المشتبه فيهم، على ترخيص يسمح لهم بإعادة تصنيع المواد الطبية وشبه الطبية التي تملك الشركة العالمية المذكورة براءة اختراعها. فالأمر هنا يتعلق بإجراءات بحث وتحري، يفرضها القانون وتتطلبها ضرورات الأبحاث الجنائية. لكنها أصبحت للأسف الشديد “تأليبا وتحريضا من جانب الشرطة” بعدما خلصت تلك الإجراءات لنتائج تعزز التهم المنسوبة للأشخاص الموقوفين، بمن فيهم ابن النقيب، بل وتعضدها بالحجج والأدلة والبراهين القاطعة.
أما إدارة السجون وإعادة الإدماج التي تأوي احتياطيا نجل النقيب السابق، بحكم وظيفتها كسلطة حكومية مكلفة بتدبير الساكنة السجنية، فقد أصبحت هي الأخرى في قائمة “أعداء الرجل وهدفا استراتيجيا لحروبه الكلامية”. بل إنها أضحت تصنف ضمن كثيبة” المتواطئين المفترضين الذين يستهدفون الرجل” وفيلق “الاستهداف الوهمي لنجله”، مع أن جرائم الابن هي من ساقته إلى مؤسسة الإصلاح والتهذيب، وليست المؤسسة هي من كانت تبحث عنه متقمصة دور صفقة 66 مليون سنتيم الاحتيالية.
لكن الذي نال النصيب الأوفر من الاتهامات في “مفرقعات النقيب الكلامية” كان هو الضحية صاحب المصحة الذي تسلم منه نجل الوزير الأسبق مبلغ 66 مليون سنتيم نظير كمامات خطيرة ومضرة بالصحة العامة. ووزر الرجل الوحيد هو أنه اختار ممارسة حقه في التشكي والذود بالقضاء، إذ وصفه النقيب السابق ب”الشخص الذي يملك استثمارات مشبوهة التي تدر عليه أرباحا تجعله في غنى عن المبلغ الذي فقده في قضية الكمامات”. فهل امتلاء الذمة المالية للرجل تسمح لابن النقيب وغيره بتعريضه للغلط التدليسي وسلبه 66 مليون سنتيم في معاملة احتيالية حسب ما تناقلته مصادر إعلامية متطابقة؟ وهل شبهة الاستثمارات المشكوك فيها تعطي الحق لنجل النقيب وأصحابه بأن يمارسوا “شرع اليد” ويعقدون معه صفقة زائفة لترويج كمامات خطيرة على الصحة العامة؟ وهل يحق للمشتكى به ووالده النقيب السابق بأن يشهّرا بالضحية، ويقدّما في حقه تصريحات بالاشتباه رغم أنهما ليسا من الأشخاص الخاضعين لقانون تبييض الأموال، لا لشيء سوى أنه طالب بحقه في استرداد مبلغ الصفقة الاحتيالية التي كان ضحيتها؟
وختاما، فالمتتبع للخرجات الإعلامية الأخيرة والمتواترة لهذا الرجل الكبير جدا.. في السن، يجد نفسه مشدوها ومشدودا أمام كلام النقيب السابق ونقيضه في نفس الوقت، وأمام التبريرات التي يسوقها على أنها أدلة نفي بيد أنها في الحقيقة دلائل إدانة، والمسوغات التي يعتبرها تنفي التهمة عن ابنه بينما هي تزيد من تدعيمها وتوطيدها..الخ. لكن الأكثر غرابة في كل ذلك هو تجنيد الرجل ل “جيش عرمرم” من المفوضين القضائيين للبحث عن شركات الضحية واستثماراته، بيد أنه كان من الأولى إنفاق تلك المصاريف في تنصيب محام للدفاع عن نجل النقيب السابق، بدل هدر المال والوقت في مقارعة خصوم افتراضيين ووهميين لا يوجدون إلا في خيال الرجل الذي “لم يسأم تكاليف الحياة رغم أنه عاش ثمانين حولا ولا أبا له يسأم”.