الدار/ رضا النهري:
أن يتمنى أحد التأثير في الناس فهذا ليس متاحا للجميع، وكثيرون تمنوا أن يكونوا مؤثرين فانتهوا منعدمي التأثير حتى في أنفسهم ومحيطهم، فكيف يؤثرون في الحشود..!
لكن ما حدث للأمريكي جورج فلويد يعتبر حالة استثنائية وغريبة، فهذا الرجل كان يردد باستمرار بأنه يريد التأثير في الناس، ربما كانت هوايته أن يفعل ذلك، لكنه لم يكن ليستطيع.. فكيف لرجل بالكاد يجد لقمة عيشه، أو يحمل في جيبه بضعة دولارات مزورة لكي يقتني بها القليل من القوت لأبنائه، أن يطمح إلى التأثير في الناس..!
لكن رغم كل ذلك، فإن جورج فلويد استطاع، في النهاية، أن يكون واحد من أكبر الذين أثروا في البشرية.. بل تجاوز الكثير من المفكرين والفلاسفة وعظماء التاريخ، صحيح أن ذلك حدث بعد موته، لكن كل المؤثرين في التاريخ البشري يفعلون ذلك بعد موتهم!
لو عاد فلويد حيا فإنه سيصاب، بالتأكيد، بذهول كبير وهو يرى العالم يتغير بسببه، أو بفضله. لن يصدق أبدا وهو يرى المظاهرات العارمة تجوب أمريكا ومعظم عواصم العالم مطالبة بنبذ العنصرية، وسيصدم وهو يرى المتظاهرين الناقمين يحطمون أصنام العبودية، ليس الرمزية فقط، بل حتى المادية.
سيصاب فلويد بذهول كبير وهو يرى القوانين البوليسية تتغير في بلاده، وسيرى بلدية مدينته وهي تتخلى عن جهاز الشرطة وتعويضه بمؤسسة للخدمات الاجتماعية، وسيرى متظاهرين في بريستول البريطانية وهم يحطمون تمثالا كبيرا لمن كان يعتبر أحد كبار أكبر تجار الرقيق في القرن السابع عشر، إدوارد كارلستون، ويلقون به في النهر.
بعدها أزال المتظاهرون تمثال تاجر العبيد الشهير روبرت ميليغان من أمام متحف لندن، ورموا به في نفس الميناء الذي كانت ترسو به السفن المحملة بالعبيد.
أشياء كثيرة لن يصدقها فلويد لو عاد حيا. سيرى أن حلمه بالتأثير في الناس تجاوز حل حدود الحلم، وصار واقعا إلى درجة لا تصدق.