جواز السفر الإفريقي الموحد.. الرهانات والتخوفات
الدار/ عفراء علوي محمدي
ينتظر أن تصادق القمة العادية الثانية والثلاثين للاتحاد الإفريقي، على اتفاق اعتماد جواز سفر موحد بالنسبة للدول الأعضاء بالاتحاد في شهر فبراير المقبل، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وستتيح الوثيقة للمواطنين الأفارقة إمكانية السفر حول القارة، وولوج أي دولة منتمية للاتحاد بسهولة ودون تأشيرات، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي.
وسجل رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقيه محمد، في تصريحات صحفية، أن المفوضية "ستتقدم بمبادئ توجيهية حول تصميم الجواز وإنتاجه وإصداره في القمة الإفريقية القادمة"، تمهيدا لاعتماده من قبل قادة القارة والدبلوماسيين الأفارقة، قبل أن يعمم على باقي المواطنين.
ووصف رئيس المفوضية الإفريقية جواز السفر الموحد بـ"الحلم الذي طال انتظاره"، خصوصا عند الدول الإفريقية التي تتعامل مع بعضها تجاريا وسياسيا.
تخوفات وانتقادات
وبيد أن جواز السفر الإفريقي الموحد يحمل لملايين المواطنين الأفارقة فرصا للتنقل بحرية في الدول الإفريقية، إذ أعربت دول عديدة عن تحفظها على بعض مضامينه، بينما رفضت أخرى اعتماده، وعلى رأسها الدول الإفريقية الاقتصادية، وأبرزها نيجيريا وجنوب إفريقيا ومصر والمغرب والجزائر، لتخوفها من الأزمات التي ستتسبب فيها التدفقات البشرية الكبيرة.
وتأتي التحديات الأمنية على رأس قائمة مخاوف البلدان الكبرى في إفريقيا، وفي هذا الاتجاه، قال نوفل البعمري، الخبير السياسي المهتم بشؤون الصحراء وإفريقيا، إن "عدم الحاجة إلى استخراج تأشيرة سيسهل على الجماعات المسلحة والإرهابية وتجار المخدرات والبشر التنقل بين الدول الإفريقية المستهدفة، وعلى رأسها المغرب؛ ومادامت القارة السمراء تشتهر بانتشار الأوبئة، فإن مثل هذا الإجراء قد يساعد على انتشار الأوبئة بشكل أكبر، وهذا ليس في صالح المغرب".
واعتبر البعمري، في تصريح لـ"الدار"، أن رؤساء الدول والحكومات سيناقشون مختلف أبعاد اعتماد هذا الجواز في القمة المقبلة، وخاصة منها الأمنية، وسيتساءلون عن إمكانية الحفاظ على أمن الدول إلى جانب تمتع جل مواطني القارة الأفريقية بجواز سفر موحد، خاصة في ظل بعض النزاعات الإفريقية التي لم يتم حلها بعد، وفي الغالب "سيتم اتخاذ القرار مبدئيا في القمة المقبلة على أن يتم تعميمه بشكل تدريجي لضمان نجاح العملية و تجاوز أي انعكاس سلبي لها".
واستبعد بعمري، أن يتم اعتماد جواز السفر الموحد على عموم المواطنين الأفارقة، وأفاد أن توزيعه في مستهل الأمر "يقتصر على أصحاب النفوذ والسلطة فقط" وخصوصا منهم الديبلوماسيين.
تأجيج النزاع
ويعتقد مراقبون دوليون أن اعتماد جواز السفر سيأجج الأزمات بين الدول والكيانات المتنازعة في الاتحاد الإفريقي، كما هو الشأن بالنسبة للنزاع المفتعل في الأقاليم الجنوبية بين المغرب وجبهة البوليساريو، خصوصا وأن الجبهة تعد من ضمن المستفيدين من جواز السفر، وهو ما يتيح لهذا الكيان الوهمي إمكانية الدخول إلى الأراضي المغربية.
وفي رده على هذه التوقعات، ومسألة تحفظ المغرب على اعتماد الجواز بسبب البوليساريو، يقول البعمري إن البلاد "لن تشير لهذا الموضوع أثناء نقاشها للموضوع في القمة الإفريقية أبدا، فبالنسبة لها فالبوليساريو مجرد كيان وهمي، سواء كانت حاصلة على هذا الجواز أم لا"، على اعتبار أن "أهم مسألة وجب الإشارة إليها تتجلى في التطرق للتحديات الأمنية والتبادلات التجارية بين المغرب والدول الإفريقية الأخرى".
من جهته، اعتبر محمد بودن، المحلل السياسي ورئيس المركز الدولي لتحليل المؤشرات العامة، أن هذا القرار "سيحدث إشكالا كبيرا، لأن الاتحاد الإفريقي يعتبر البوليساريو "عضوا "أو "دولة" مستقلة بذاتها، في حين أن منظمة الأمم المتحدة تعتبره مجرد حركة أو فصيل، وبالتالي سيصعب الحسم في مسألة حصوله على الجواز".
وحول مخاوف دخول الانفصاليين بسهولة إلى تراب المملكة باعتماد جواز السفر الإفريقي، أفاد بودن، في تصريح لـ"الدار"، أن الانفصاليين "يملكون أصلا جواز سفر جزائري يتحركون به كما يريدون، وسيتمكنون من خلاله ولوج التراب الوطني بسهولة أيضا، وهنا تبرز مسؤولية الجزائر التي يجب أن تكون واضحة، وتعترف بتسليمها جواز السفر الجزائري لساكني مخيمات تندوف، وبالتالي يُعتبرون قانونيا مواطنين جزائريين".
من جانبه، سجل تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس، أن المغرب اليوم يتعايش مع وجود التنظيم الانفصالي في الاتحاد الإفريقي، "ولن يقبل أبدا بدخول أشخاص إلى ترابه الوطني، بجوازات سفر تابعة للانفصاليين، هذا شيء مرفوض أصلا وليس مقبولا في العرف الديبلوماسي المغربي بأي حال من الأحوال" وفق تعبيره.
وأضاف الحسيني في تصريح لموقع "الدار"، أن المغرب "من حقه طرح تحفظاته وشروطه المتعلقة بجواز السفر، وكما أنه غير مرغم على التواصل مع البوليساريو في الاتحاد الإفريقي، فمن حقه أن يمنع دخول هؤلاء إلى ترابه الوطني خاصة، كما أن جواز السفر الموحد، إذا تم ترسيمه، "سيحمل اسم الدولة التي ينتمي إليها الشخص المعني، كما هو الشأن بالنسبة لبلدان الاتحاد الأوروبي، إذ أن الدول تبقي صفتها الشخصية ثابتة في بطاقات التعريف، الوطنية لكل مواطنيها" يردف الخبير السياسي.
حلم صعب التحقق
وعلى الرغم من حديثه عن تخوفات تأجيج النزاع بين المغرب والكيان الوهمي، حول إمكانية اعتماد جواز السفر الإفريقي الموحد، يستبعد الحسيني أن يتم اعتماده في الظرفية الحالية، يقول "جواز السفر الإفريقي ما هو إلا فكرة طوبوية ترمي إلى تحقيق أشياء وجب، بالضرورة، أن تسبقها أشياء أخرى"، معتبرا أن التفكير في العملة المشتركة أو الجواز المشترك ينبغي أن يكون مرتبطا بوجود منطقة تبادل حر بين البلدان الإفريقية، وهذه المنطقة على الرغم من أنها في طي المشروع إلا أنها لم تتحقق بعد، على حد قوله.
واعتبر الحسيني أن مسألة الجواز الإفريقي الموحد "مسألة حلم قد يتحقق في المستقبل البعيد فقط، وليس في الظرفية الحالية، فقد حاولت مجموعة "سيداو" التي تمثل البلدان غرب إفريقيا توحيد العملة، إلا أن محاولتها باءت بالفشل، ومسألة جواز السفر لا تختلف عن الأمر كثيرا، خصوصا وأن أعضاء الاتحاد الأوروبي يفوقون 54 عضوا".
"يمكن أن يتحقق هذا النوع من المشاريع فقط في مجموعات اقتصادية مشتركة استطاعت اختراق مراحل التبادل الحر والاتحاد الجمركي، وتصل تدريجيا إلى مفهوم السوق المشتركة، أما باقي الدول الأخرى عليها أن تبدأ بمراحل الاندماج الاقتصادي حتى تصل إلى وضع بطاقة مشتركة وجواز سفر مشترك" يقول الحسيني.
يشار إلى أن الاتحاد الإفريقي، وافق مبدئيا، على إصدار جواز سفر إفريقي مشترك، في سنة 2016، إلا أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، بسبب معارضة دول إفريقية عديدة، غير أن مفوضية الاتحاد عادت لتناقش مسألة جواز السفر، ليتم التداول فيه في دورة فبراير المقبل.
وترمز هذه الخطوة، إلى تعزيز الوحدة بين دول القارة، كما تهدف لرفع مستوى التبادل التجاري بينها، ويمثل جواز السفر الموحد أحدث الخطوات التي بدأت في عام 1963 نحو خلق سوق إفريقية مشتركة.