مساعدة المغرب لإفريقيا التفاتة نحو المستقبل
الدار / افتتاحية
أصدر الملك محمد السادس تعليمات بإرسال مساعدات طبية إلى عدة دول إفريقية، من أجل دعم تدابيرها الرامية إلى النجاح في التصدي لجائحة كورونا. كانت هذه المبادرة متوقعة منذ فترة، بالنظر إلى ما أصبح ما يمثله المغرب من ركيزة دعم أساسية بالنسبة للعديد من البلدان الإفريقية. ولم تتأخر هذه المبادرة في الاستجابة للتوقعات والتطلعات الإفريقية التي أضحت تضع المغرب في حسبانها في تدبير الأزمات العابرة اقتصادية أو بيئية أو سياسية. كما أنها انسجمت تماما مع المبادرة الأولى التي أطلقها الملك محمد السادس في 13 أبريل الماضي لدعم البلدان الإفريقية في مواجهة جائحة كوفيد 19.
ونزلت أولى طائرات المساعدات في مطار نواكشوط لدعم الجمهورية الإسلامية الموريتانية. وفي طيات هذه المبادرة رسائل سياسية وتضامنية قوية، موجهة للجوار العربي والإفريقي. فعلى الرغم من كل المحاولات الإعلامية التي استهدفت قبل بضعة أسابيع التشويش على استقرار العلاقات بين الرباط ونواكشوط على خلفية ملف الصحراء المغربية، إلا أنه يبدو أن النهج المغاربي والإفريقي للمغرب تخترقه ثوابت التضامن والتضامن أولا، بغض النظر عن بعض التوترات العابرة، والهفوات السياسية التي ترتكبها بعض الأنظمة تجاه الوحدة الترابية للمغرب.
هذا النهج يريد من ورائه المغرب التأكيد على حتمية التعاون الإفريقي والتكامل في إطار استراتيجية جنوب-جنوب، خصوصا في هذه الظرفية الحساسة التي يمر بها العالم، وعبرت فيها الكثير من الدول عن أنانية خالصة باحتكارها للمواد الطبية والأدوية، بل وقرصنتها أحيانا. ولا يتعلق الأمر فقط بالوقوف عند تمكين بعض البلدان من مساعدات مادية وطبية، قد لا تكفي لبضعة أسابيع، وإنما بالتوقف عند بعدها الرمزي لما تمثله من الاستعداد لتقديم الدعم للجيران حتى في لحظات الأزمة، وما يمثله ذلك من رهان على المستقبل، الذي لا يمكن بناءه خارج القارة السمراء وبعيدا عن الشركاء الأفارقة.
هذه المساعدات التي تهدف إلى مواكبة الدول الإفريقية الشقيقة في ما تقوم به من جهود ضد “كوفيد-19″، شملت 15 دولة في القارة السمراء؛ منها موريتانيا والسنغال وجزر القمر والنيجر وتشاد. كما تضم لائحة البلدان المعنية بالمبادرة المغربية كلا من بوركينافاسو والكامرون والكونغو وإسواتيني، وغينيا وملاوي والكونغو الديمقراطية، وغينيا بيساو وتنزانيا وزامبيا. ويظهر هذا الامتداد الجغرافي للبلدان التي توصلت بهذه المساعدات أن المغرب يسعى لبناء ما هو أكبر من رقعة مصالح اقتصادية أو مادية عابرة.
وتفصح نوعية المساعدات أيضا عن هذا المستقبل الذي يريد المغرب لإفريقيا أن تؤسسه. لقد شملت حوالي 8 ملايين كمامة و900 ألف غطاء للرأس و60 ألف سترة طبية، زيادة على 30 ألف لتر من المطهرات الكحولية و75 ألف علبة من “كلوروكين” و15 ألفا من “أزيتروميسين”. وكلها مواد طبية من الصناعة المغربية، التي كانت إلى الأمس القريب، سلعة ثمينة تدفع مقابلها البلاد مبالغ طائلة من العملة الصعبة. لكنها اليوم تصنع محليا، وهذا بعد آخر تسعى المبادرة الملكية إلى ترسيخه في تعاونه مع هذه البلدان، التي أظهرت جائحة كورونا أكثر من أي وقت مضى حاجتها إلى التفكير في مستقبل أفضل.