اليوم الوطني للمقاومة .. تجسيد لأبهى صور التضحية في سبيل الحرية
يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحريـر ، يوم غد الخميس ، الذكـرى 66 لليوم الوطني للمقاومة، الذي يقترن بذكرى استشهاد البطل محمد الزرقطوني رحمه الله ، وبالذكرى 64 للوقفة التاريخية لبطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، استحضارا لتضحيات شهداء الكفاح الوطني في سبيل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية، وتجسيدا لقيم البرور والوفاء لأرواحهم الطاهرة.
واستحضرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ، بهذه المناسبة ، مغازي ودلالات اليوم الوطني للمقاومة، مبرزة أن هذه الذكرى تحل في ظروف دقيقة وحرجة تجتازها بلادنا كسائر بلدان المعمور مع جائحة كوفيد 19 الوبائية التي تطلبت وضع الحجر الصحي الوقائي والعلاجي والحد من الأنشطة الجماهيرية، فلم يعد ممكنا في هذه الظروف إقامة هذه الذكرى، على مألوف العادة في موعدها وفي مكان الاحتفاء بها .
وذكرت المندوبية في هذا السياق بأن ملحمة ثورة الملك والشعب اندلعت من أجل التصدي لمؤامرة المستعمر الذي سخر كل الوسائل لبسط نفوذه وهيمنته، فأقدم في 20 غشت 1953 على فعلته النكراء بنفي بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه والأسرة الملكية الشريفة، متوهما أنه بذلك سيخمد شعلة النضال وجذوة الكفاح الوطني والتحريري، لكن الشعب المغربي المتمسك بمقدساته الدينية وثوابته الوطنية فجرها ثورة عارمة مضحيا بالغالي والنفيس من أجل عودة الشرعية والمشروعية التاريخية بعودة الملك المجاهد الشهم الذي فضل المنفى على أن يرضخ لإرادة المستعمر وإملاءاته.
وبعد ذلك انطلقت المظاهرات الشعبية وأعمال المقاومـة والفداء لتهز أركان الوجود الاستعماري وتضرب مصالحه وتستهدف دهاقنته وغلاته، حيث تكونت خلايا ومنظمات المقاومة المسلحة بالدار البيضاء وبسواها من المدن المغربية بتعبئة شبـاب متحمس هب لإعـلاء راية الوطـن والذود عن حماه وحياضه وصون عزته وكرامته.
وقد كـان الشهيد محمد الزرقطوني أحد هؤلاء المقاومين الأفذاذ والرموز الخالدين الذين هيأوا لانطلاق المقاومة ورسم أهدافها وإرساء تنظيماتها ، حيث انتصب بطلا من أبطال الكفاح الوطني، حريصا على تقوية تنظيمات المقاومة وامتداداتها، لا يألـو جهدا ولا يدخر وسعا بتنسيق وتعاون مع رفاق دربه في النضال دفاعا عن مقدسات الوطن وثوابته، إلى أن لقي ربه شهيدا يوم 18 يونيو 1954 إثر اعتقاله من لدن السلطات الأمنية الاستعمارية، حيث فضل الشهادة حفاظا على أسرار المقاومة والتضحية من أجل استمرارها، معطيا بذلك المثال على روح التضحية والغيرة الوطنية والنضالية التي جسدها شهداء الوطن البررة، والمقاومون وأعضاء جيش التحرير الأفذاذ متحملين كل الشدائد إيمانا بعدالة قضيتهم الوطنية ومقاصدهم النبيلة في تحقيق أماني وطموحات الشعب المغربي في الحرية والاستقلال.
فبسيرته النضالية التي تستحق أن تكون عبرة للناشئة والأجيال الصاعدة، طبع الشهيد محمد الزرقطوني عنوان مرحلة بكاملها ، وجيلا كاملا بسماته وميزاته، فما فتئ اسمه يتردد عند كل المنظمات السرية الشيء الذي يحيل على مركزية دوره في العمل الفدائي والمواجهة المسلحة للمستعمر.
ولعل البيئة الاجتماعية والتربوية التي عاش فيها البطل والشهيد محمد الزرقطوني قد مكنته من الاحتكاك بفضاءات الزوايا والطرقية المتنورة والمصلحة بحكم طبيعة عمل والده الذي كان مقدما للطريقة الحمدوشية، الأمر الذي كان له الأثر البالغ في التنشئة النفسية والأخلاقية لمحمد الزرقطوني، وعمق تربيته الدينية التي قوت فيه الروح الإيمانية والقيم والمبادئ الوطنية منذ طفولته، حيث أتم حفظ القرآن في سن الرابعة عشرة، وعايش وهو طفل بعض الأحداث الوطنية منها تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال حينما دخل المدرسة العبدلاوية وعمره 17 سنة. وفي سنة 1945 أصبح محمد الزرقطوني عضوا نشيطا في حركة الكشفية الحسنية المنضوية تحت لواء حزب الاستقلال.
وفي أوائل دجنبر 1952، وقعت الأحداث الدامية الشهيرة بالدار البيضاء تضامنا مع الشعب التونسي الشقيق على اثر اغتيال الزعيم النقابي التونسي والمغاربي فرحات حشاد ، فألقي القبض على زعماء الحركة الوطنية، وعندها أيقن محمد الزرقطوني أنه دقت ساعة العمل الفدائي فأخذ يبحث عن المال والسلاح.
وعندما امتدت يد المستعمر إلى ملك البلاد ورمز سيادتها جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه، في 20 غشت 1953، شرع محمد الزرقطوني ورفاقه في خوض غمار الكفاح الوطني وبدأوا بنسف القطار الفرنسي الرابط بين الدر البيضاء والجزائر. واتسع مجال عمل مجموعة الزرقطوني ليشمل ربوع التراب الوطني وخاصة مدن فاس ومراكش وقلعة السراغنة.
وتكللـت الملحمـة الكبرى لثورة الملـك والشعب بالعودة المظفرة لبطل التحرير والاستقلال، جلالـة المغفور له محمد الخامس محفوفا بوارث سره ورفيقه في الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراهما والأسرة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن في 16 نونبر 1955، وإعلان بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وإشراقة شمس الحرية والاستقلال.
وقد حرص الملك المجاهد جلالة المغفور له محمد الخامس أن يجعل من يـوم 18 يونيو 1954 يومـا للمقاومة، اعترافا واعتزازا بتضحيات شرفاء الوطن الذين استرخصوا أرواحهم فداء للوطن، حيث قام قدس الله روحه بوقفته التاريخية يوم 18 يونيو 1956 بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء أمام قبر الشهيد محمد الزرقطوني رحمة الله عليه، مجسدا بذلك قيم الوفاء والبرور بنضالات وعطاءات الشهداء والاعتزاز بملاحـم وبطولات المقاومـة المغربية حيـث قال في حقهم: “شاء الله عز وجل أن نقف اليوم على قبرك لا لنبكي شبابك الغالي، فإن أمثالك لا تقام ذكراهم بالبكاء ولا لنجدد التعزية لأهلك وذويك ، فإن فقدانك أعظم شرف، أصبحت تعز به أسرتك، ولكننا جئنا اليوم لنتذكر المثل العليا التي بذلت في سبيلها روحك الطاهرة…”.
وأضاف جلالته طيب الله ثراه مشيدا بملاحم المقاومة: “… لقد كنا في منفانا، شهد الله، نتلهف شوقا إلى أخبار مقاومة أبطالنا، فكانت هي أنسنا في نهارنا، وسمرنا في ليلنا، وكان يقيننا راسخا في أن تلك المقاومة، وقد كنا أول من حمل مشعلها، ستظل تستفحل يوما بعد يوم حتى تستأصـل جذور الباطـل، وها نحـن اليوم نستظل بدوحة الحرية التي غرسها وسقاها فدائيون بزكي دمائهم…”.
وإن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير ، وهي تخلد هذه الذكرى المجيدة، في أجواء من الحماس الوطني والتعبئة الشاملة لتؤكد على واجب الوفاء والبرور بالذاكرة التاريخية الوطنية وبرموزها وأعلامها وأبطالها الغر الميامين، وهي في ذات الوقت، تحرص على إيصال الرسائل والإشارات القوية وإشاعة رصيد القيم والمثل العليا ومكارم الأخلاق في أوساط وصفوف الشباب والناشئة والأجيال الجديدة والقادمة لتتشبع بأقباسها وتغترف من ينابيعها، ما به تتقوى فيها الروح الوطنية وحب الوطن والاعتزاز بالانتماء الوطني لمواصلة مسيرات الحاضر والمستقبل تحت القيادة المتبصرة والحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، لبناء وإعلاء صروح المغرب الجديد، مغرب الحداثة والديمقراطية والتنمية الشاملة والمستدامة والتضامن والتكافل الاجتماعي.
المصدر: الدار ـ و م ع