الدار/ رضا النهري:
عندما أصدر الكاتب الكولومبي، غابرييل غارسيا ماركيز، روايته الشهيرة “مائة عام من العزلة”، احتفى بها العالم بقوة، فقد تطرقت لموضوع نادرا ما تحدث عنه الكتاب، وهو علاقة العالم المتمدن وشعوبه بالعالم الآخر خلف الأدغال، أو خلف أسوار العزلة، حتى لو كانت أدغالا وأسوارا معنوية أكثر منها واقعية.
كتب ماركيز روايته الشهيرة سنة 1965 عندما كان مقيما في المكسيك، لكنها لم تصدر فعليا إلا بعد ذلك بسنتين، فكانت حدثا أدبيا حقيقيا، ويبدو أنها لعبت دورا كبيرا في حصول الكاتب على جائزة نوبل للآداب سنة 1982، وتحوله إلى أيقونة الأدب اللاتيني المكتوب بالإسبانية.
بعد 55 عاما من كتابة، أو صدور تلك الرواية، يعود العالم ليتذوق معنى العزلة بمعناه “الماركيزي”، أي تلك العزلة التي نختارها طوعا أو تفرض علينا، لكنها في جميع الأحوال تترك آثارا وندوبا كثيرة على النفس البشرية، سواء أدركنا أننا في عزلة أو عشنا الوهم بحريتنا المطلقة.
تحدث عن ماركيز عن مائة عام من العزلة كزمن واقعي وافتراضي في الوقت نفسه، وتطرق لواقع الشعوب اللاتينية البدائية المعزولة خلف الغابات الكثيفة في أمريكا اللاتينية، وقدم الكثير من التفاصيل الصادمة حين يحدث اللقاء بين المعزولين والقادمين من المدن المفتوحة.
الذين قرؤوا تلك الرواية، بشغف أو بدونه، لم يدركوا عمق العزلة التي تحدث عنها ماركيز إلا بعد أن عاشوا تجربة عزلتهم الإجبارية هذه الأيام. لقد تحدث ماركيز عن عزلة المائة سنة، وأكثر، ونحن نعيش عزلة المائة يوم، وأكثر، وتكاد تبعات ذلك تكون متشابهة.
الخارجون من عزلة رواية ماركيز يحسون بلهفة وشوق إلى اختبار العالم المكتشف. ونحن الذين نخرج رويدا من عزلة المائة يوم نحس بلهفة مماثلة لاكتشاف عالم نعرفه جيدا، لكن بمجرد أن غبنا عنه مائة يوما حتى أحسسنا بالغربة عنه، فكيف لو كانت عزلتنا مائة عام..؟!