النقيب الكبير في السن.. من الكمامات القاتلة إلى البرمجيات الخبيثة
الدار/ خاص
يُمعن النقيب الكبير، طبعا في السن وليس في شيء آخر، في أن يسحب بساط البطولة الهزلية من “مي نعيمة” في مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائط الاتصال الجماهيري.
فالنقيب السابق الذي ظهر في وقفة احتجاجية لرجال البذلة السوداء بمدينة الدار البيضاء وهو يطعن في أرقام وزارة الصحة حول جائحة كورونا المستجد، ويحلف بأغلظ الإيمان بأن عدد المصابين لا يتخطى 15 مصابا، نسي أو تناسى بأنه كان يرتدي كمامتان واقيتان، الأولى طبية تحجب الفم والأنف، والثانية بلاستيكية تحجب كامل الوجه والجوارح! فهل الذي يتحدث عن إصابات محدودة جدا، وأرقام مبالغ فيها، يمكنه أن يخاف على نفسه من جائحة كورونا لدرجة يرتدي معها عدة كمامات واقية؟ أم أنها مجرد أعراض الهذيان الناجمة عن خريف العمر.
فالذي قاله النقيب السابق من تصريحات مقوّضة للجهد العمومي لمنع تفشي وباء كوفيد-19 يتجاوز بكثير ما قالته “مي نعيمة” في مقطعها المصور الذي كان سببا في إدانتها بعقوبة سالبة للحرية. والمزاعم التي يتلفظ بها الرجل الكبير جدا في السن تتجاوز في تطرفها و”راديكاليتها” ما قاله “أبو النعيم” حول إقفال المساجد في زمن الوباء. لكن ما يشفع للنقيب السابق، هو أن الجميع ربما تطبَّع مع “هزله”، لدرجة استنكفت كل السلطات الرسمية عن الاعتداد بكلامه، وكأنها تكرس واقعيا عذرا مسقطا للمسؤولية الجنائية في حق الرجل بسبب سنه المتقدم، وذلك رغم تلكم الحملة الكبيرة التي استهدفت تصريحاته الخطيرة في المنصات التواصلية على شبكة الأنترنت.
واللافت للانتباه أن النقيب الكبير في السن، منهمك في الوقت الراهن في خوض “سياسة الأرض المحروقة” ضد وزارة الصحة لأنها أنجزت خبرة طبية تدين ابنه المتورط في قضية الكمامات القاتلة، وفي مواجهة مندوبية السجون التي تأوي نجله المعتقل احتياطيا، وضد النيابة العامة وقاضية التحقيق لأنهما حرّكا ومارسا الدعوى العمومية والتحقيق الإعدادي في هذه القضية، دون أن ينسى طبعا الشرطة القضائية التي كان ذنبها الوحيد أنها اعتقلت عشرة متورطين في قضية الكمامات المزيفة، كان من ضمنهم نجل النقيب السابق.
وكل الأسلحة مباحة في حروب الرجل المفتوحة على كل الواجهات وفي جميع الجبهات، بما في ذلك الكذب على وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة، والافتراء على المؤسسات الأمنية الوطنية التي يتهمها النقيب السابق بالتنصت على الصحفيين وكتاب الرأي! فهل عمر الراضي يشكل تهديدا جديا للأمن القومي لتتحالف استخبارات العالم على اختراق هاتفه؟ وهل الشخص الذي يكتب تدوينات فايسبوكية لا تتخطى أربعة أسطر، وكلها سباب وشتم، أصبح صحفيا مدافعا عن حقوق الإنسان؟
لقد أبان النقيب السابق، وهو الرجل الكبير جدا في السن، عن خصلة جديدة تنضاف لسلسة مناقبه ومثالبه العديدة. فقد برهن عن برغماتية لا مزيد عنها، خصوصا عندما تلقّف تقرير أمنستي بحبور كبير، وتصرف فيه أكثر مما تصرفت فيه منظمة العفو الدولية نفسها.
فمختبر أمنستي تكهن بدور مزعوم للسلطات المغربية، رغم انتفاء المصلحة والصلة بين هاتف عمر الراضي والمغرب، لكن النقيب السابق وموقعه الإخباري الناطق بلسان حاله اختارا أن يخصصا ما جاء عاما في تقرير أمنستي، وأن يجزءا ما ورد فضفاضا في ذلكم التقرير الحقوقي المثير للجدل. إذ ادعيا بأن الشرطة هي من قامت بالاستعانة ببرمجيات خبيثة إسرائيلية الصنع لاستهداف هاتف عمر الراضي المغمور والمستوطن للفايسبوك.
وهذا الكلام السطحي ينم عن سطحية صاحبه، ويدفعنا نتساءل معه بكثير من السطحية الموغلة في الاستهزاء. إذا كانت الشرطة تتوفر فعلا على هذه البرمجيات المتطورة، فقد كان من الأولى إرسالها لهاتف نجل النقيب السابق الذي روّج كمامات قاتلة تحمل علامة تجارية أمريكية مزيفة ومقلدة، وكانت تندر بتسجيل وفيات كثيرة في صفوف الأطباء والممرضين الذين كانوا في الصف الأمامي لمواجهة وباء كورونا المستجد.
فمن الأولى بالاستهداف بواسطة هذه البرمجيات المزعومة؟ هل نجل النقيب الذي حصل على 66 مليون سنتيم نظير كمامات قاتلة في قضية تتداخل فيها مصالح شركات أمريكية وأجنبية وتحضر فيها رهانات الجغرافية السياسية بسبب خطورتها على الأمن الوطني والدولي؟ أم عمر الراضي الذي يهيم على وجهه في شوارع الرباط وفي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي؟
إنها أعراض النسيان والهذيان التي قال عنها الكاتب الكولومبي الكبير غابريال غارسيا ماركيز ” إن الموت لا يأتي بفعل الشيخوخة وإنما بفضل النسيان”. ولعل هذا ما دفع الابن المعتقل إلى البوح لمقربين منه زاروه في السجن مؤخرا “قولوا للنقيب السابق والرجل الكبير في السن بأن ينآى بنفسه عن قضيتي، إنه يورطني ويزيد وضعيتي تأزما. فكرات اللهيب التي يتقاذف بها في شبكات التواصل الاجتماعي لا تصيب أحدا سوى أنها تمسك بتلابيب ثيابي، وتطوق عنقي من الناحية القانونية والإجرائية”.