الدار/ رضا النهري:
من ينجح في جمع مائة شخص في ندوة داخل قاعة تسع مائتي شخص فهذا إنسان ناجح جدا. أحيانا كانت القاعة التي تسع ألف تضم بضع عشرات، والتي تسع المائة تضم عشرة، ومع ذلك فإن منظمي الندوات لم يكونوا يتعبون من محاولات حشد الناس وتجميعهم طوعا أو قسرا.
لا يتعب منظمو الندوات في محاولة إنجاح ندواتهم عبر سلك كل الوسائل، بما فيها إعداد “بوفيه” أو “حفل شاي” أو “حفل نبيذ” في منتصف الندوة، وأحيانا في نهايتها حتى لا يهرب الحاضرون، وآخرون يعلنون عن مفاجآت وجوائز في نهاية الندوة، والهدف واحد، جمع أكبر عدد من الناس والإبقاء عليهم حتى النهاية.
كان هذا متعبا جدا، وربما لن يتكرر لاحقا، أو، على الأقل، قد لا يتكرر بالشكل الذي كان سائدا، والفضل كله يعود لفيروس “كورونا”، الذي غير الكثير من التقاليد، بما فيها طرق تنظيم اللقاءات الثقافية والندوات السياسية وغيرها، وجعلها كلها حبيسة “النت”.
السجن الذي وجدت الندوات نفسها فيه حاليا هو سجن من ذهب، فلأول مرة يحس منظمو الندوات أنهم محترمون فعلا، فبعدما كانوا لا يستطيعون جمع أكثر من بضع عشرات، أو بضع مئات، في ندوات كبيرة، ها هم اليوم يحظون بآلاف المتابعين عبر التطبيقات التفاعلية الخاصة باللقاءات الجماعية.
اليوم، صارت اللقاءات التفاعلية عبر الإنترنيت تجمع عددا قياسيا من المتابعين، والمنتظمون صاروا في حل من تحمل نفقات حفلات الشاي والهدايا والتنقل والإقامة وغير ذلك من الإغراءات المتعارف عليها، والمتابعون للندوات يفعلون ذلك طوعا ومن دون طمع. والحضور إلى الندوة لم يعد يتطلب ملابس أنيقة أو ذقنا حليقا أو ابتسامات صفراء أو لقاء هذا وتجنب ذاك. صارت اللقاءات أمتع وأبسط مما كان متوقعا.
في اللقاءات التفاعلية عبر” النت” لا توجد مقاعد أمامية يجلس فيها “كبار القوم” للتباهي فقط، بينهم أذهانهم مشغولة بأمور خارج الندوات تماما، لكنهم ينتبهون فجأة ويشرئبون بأعناقهم نحو كاميرات التلفزيون حتى يبدون أكثر أهمية من باقي الحاضرين.
هذه المشاهد قد تصبح من الماضي.. ربما. لكن من الضروري أن تبقى بعض الندوات حاضرة، تلك التي لا غنى فيها عن الحضور الجسدي، من أجل صلة الرحم أولا.. ومن أجل أشياء أخرى ثانيا.