الكل كان يترقب ويتوجس مما ستفرزه “رمانة” عمر الراضي الذي طالما هدد بنسفها في مجامع الكلمة ومفارقها. وكانت الخشية كبيرة، من أن تطال شظايا هذه “الرمانة المفخخة” الأشخاص والمؤسسات الوطنية والدولية. لكن المفاجأة كانت مخجلة!
لقد تحدث عمر الراضي دون أن “يفركع الرمانة” كما كان يهدد ويتوعد. لم يقل أكثر مما قيل في صفحات الإعلام البديل وفي وسائط الاتصال وشبكات التواصل. فقط استعرض مزاعم الاختراق بدون توضيحات أكثر ولا تدقيقات تذكر، واجتر اتهاماته لموقع شوف تيفي بالتحامل والتواطؤ مع الدولة ضده، وتراشق بالاتهامات مع بعض الزملاء الصحفيين الذين حاول ممارسة الأستاذية في حقهم، لمّا كان يعمد لتقييم مستوى الأسئلة، وتقويم السائلين، بيد أن المفروض فيه كان هو الجواب بلا تلاسن، وتصريف محتوى “رمانته” بلا تراشق ولا سباب ولا تقريع في حق أحد ولا من أحد.
لقد كابد عمر الراضي 45 دقيقة من زمن الندوة، محاولا فيها الظهور بمظهر الأستاذ المحاضر، الذي يتأبط محبرة حمراء للتصحيح والتصويب والتقويم لباقي الزملاء الصحفيين، لكن صمود الرجل لم يعمر طويلا، وتظاهره بالرصانة لم يمكث كثيرا، إذ سرعان ما كشف عن الوجه الآخر لصاحب “الرمانة الناسفة”. ذلكم الشاب الذي يستفزه مجرد سؤال عرضي في سياق عام، الشاب الذي لم تمتحن وطنيته في يوم من الأيام، فكان تخبطه بارزا للعيان بمجرد أن استفسره زميل عن موقفه من ثوابت الوطن.
ولئن كان عمر الراضي لم يشف غليل الزملاء الحاضرين، الذين اصطدمت أسئلتهم بمزاجية الرجل وتقلباته، إلا أن محققي وضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية كان حظهم أكبر وأوفر من الصحفيين! كيف ذلك؟ فعندما لبس”مول الرمانة” شخصية الأستاذ صاحب المحبرة الحمراء، وتماهى مع الدور، اعترف من حيث لا يدري بكونه تعامل مع ضابط في الاستخبارات الخارجية لدولة أجنبية. أكثر من ذلك، أقر بأنه انتدب من طرفه لمهمة تدخل في إطار الذكاء الصناعي واليقظة الاقتصادية. لكن عمر الراضي حاول تسويغ ذلك بسذاجة الأطفال، معللا ذلك بأن الضابط الاستخباراتي تقاعد في سنة 2011، وهل مثل هؤلاء العملاء يتقاعدون عن الخدمة؟
أيضا، ادعى عمر الراضي بأن المعلومات التي وفرها للضابط الاستخباراتي الأجنبي حصل عليها من مصادر مفتوحة، لكونها أخبار متاحة في موقع بنك المغرب وبورصة الدار البيضاء وغيرها! فإذا كانت هي كذلك متاحة للعموم، فلماذا يتم تجنيد صحفي مغربي، والاستعانة بعميل سابق، للحصول عليها مقابل تحويلات من الخارج؟
عموما، خرج الجميع من ندوة “الرمانة المفخخة” بقناعة راسخة مؤداها أن شظاياها لن تصيب أحدا سوى صاحبها. فعمر الراضي بدا متوترا، وإن حاول التظاهر بالاتزان، إذ أن مجرد سؤال بسيط تسبب في تداعي هالة الاستقرار النفسي المزعومة عند الرجل. كما أنه حاول أن يصطنع التجاسر و”البسالة”، وهو في حقيقته كان يخشى، كل الخشية، من وصول الساعة الثالثة زوالا التي كانت تذكره بموعده المحتوم مع ضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
وخلاصة القول، لقد أزبد الرجل كثيرا وأرعد طويلا، ولكنه لم يكشف عن أكثر مما قيل سابقا في المصادر الإعلامية المفتوحة، مع استثناء فريد وهو أنه اعترف تلقائيا بعلاقته المأجورة مع ضابط استخباراتي متقاعد. وهذا هو ما جادت به الندوة المعلومة، أما الباقيات الصالحات فهي أننا كنا على موعد مع ” رمانة فارغة مجوفة” يشترك في التسويق لها عمر الراضي ومن خلفه منظمة العفو الدولية.