خطاب العرش 2020 : خطاب الأمل والإشادة والعمل
يأتي خطاب العرش لهذه السنة في سياق مطبوع بتداعيات فيروس كوفيد 19 وآثاره على حياة الأشخاص وعلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
ورغم هذه الظروف الدقيقة، آثر جلالة الملك أن يبعث رسالة إيجابية، حيث بدأ خطابه السامي بهذه المناسبة، بتباشير الأمل والتفاؤل، وأن تختتمه أيضا بآية كريمة تحمل كل معاني اليسر الذي يأتي بإرادة الله بعد كل فترة عصيبة “سيجعل الله بعد عسر يسرا”.
وبهذه المناسبة، أكد جلالة الملك أن مشاعر المحبة والتقدير المتبادلة، التي تجمعه بشعبه الوفي، والتي لا تزيدها الأيام إلا قوة ورسوخا، هي التي تجعلنا كالجسد الواحد والبنيان المرصوص ؛ وهي التي تجعل جلالته يحيط بنفس العناية التي يخص بها عائلته الصغيرة، صحة وسلامة المواطن المغربي.
وبين المقدمة والخاتمة، يحمل الخطاب الملكي الإشادة والعمل، لمواجهة هذا الوباء، من خلال مجموعة من القرارات للحد من آثاره على الفرد والمجتمع.
وفي ما يخص الإشادة، فقد أبى جلالة الملك إلا أن يتوجه بعبارات الشكر والتقدير لمختلف السلطات العمومية، على قيامها بواجبها الوطني، على الوجه المطلوب، ولكل جنود الخفاء، الذين بذلوا تضحيات جسام، وكانوا في الصفوف الأولى لمواجهة هذا الوباء.
كما عبر حلالته عن اعتزازه بما أبان عنه المغاربة خلال فترة الحجر الصحي، من روح المسؤولية والالتزام، والتجاوب الإيجابي مع السلطات العمومية، منوها بروح التضامن والتعاون التي ميزت هذه الفترة الصعبة، بين الجيران، ومع الأشخاص المسنين وتقديم الدعم للأسر المحتاجة. وهو ما تجسد في لحظات مؤثرة، سيذكرها التاريخ، خاصة خلال عزف النشيد الوطني من نوافذ المنازل، وتبادل التحيات بين رجال الأمن والمواطنين.
أما العمل فتجسده القرارات الصعبة والحاسمة، التي تم اتخاذها لمصلحة الوطن والمواطنين، قصد محاربة انتشار هذا الوباء، والتخفيف من الآثار السلبية التي خلفها على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
وأول قرار بهذا الشأن، هو المبادرة الملكية بإحداث صندوق خاص لمواجهة تداعيات هذه الجائحة. وهو قرار حكيم، ينم عن الحس الاستباقي وعن بعد نظر جلالة الملك. وقد تأكد ذلك بالملموس من خلال مساهمة هذا الصندوق في شراء المعدات الطبية الضرورية لمواجهة الوباء، وفي تقديم الدعم الاجتماعي للأسر التي فقدت مصدر رزقها، إضافة إلى دوره في دعم القطاعات المتضررة والحفاظ على مناصب الشغل.
ومن باب الشفافية، فقد حرص جلالته على إطلاع الرأي العام الوطني على رصيد هذا الصندوق، وعلى مبلغ النفقات التي تم صرفها.
وإدراكا من جلالة الملك بأن عواقب هذه الأزمة ستكون قاسية، وتعزيزا لقرار إحداث الصندوق المذكور، فقد حرص جلالته على اتخاذ قرارين هامين، يخصان المجالين الاقتصادي والاجتماعي، على المدى المتوسط والبعيد.
• أولا : إطلاق خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي، لتمكين القطاعات الإنتاجية من استعادة عافيتها، والرفع من قدرتها على توفير مناصب الشغل والحفاظ على مصادر الدخل.
وفي هذا الإطار، دعا جلالة الملك لتعبئة جميع الإمكانات المتاحة، حيث سيتم ضخ حوالي 120 مليار درهم في الاقتصاد الوطني، أي ما يشكل 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وهو ما يجعل المغرب في طليعة الدول في سياسة إنعاش الاقتصاد بعد هذه الأزمة.
ولهذا الغرض، دعا جلالة الملك لإحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي، لدعم الأنشطة الإنتاجية ومواكبة وتمويل المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص.
وبما أن خطة الإنعاش الاقتصادي لا تقتصر على الجانب المالي فقط، دعا جلالته الحكومة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين للانخراط بفعالية في إطار تعاقد وطني بناء، يكون في مستوى تحديات المرحلة وانتظارات المواطنين.
وبموازاة ذلك، دعا جلالة الملك للإسراع بإطلاق إصلاح جوهري للقطاع العام ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، لتحقيق أكبر قدر من النجاعة والتكامل في مهامها.
ولهذه الغاية، وجه جلالته لإحداث وكالة وطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة ومواكبة أداء المؤسسات العمومية.
• ثانيا : إطلاق عملية تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة خلال الخمس سنوات القادمة :
إن المذهب الملكي في الحكم يقوم على جعل المواطن في صلب عملية التنمية والغاية منها، بما يستجيب لتطلعاته، ويساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية.
ذلك أن جلالة الملك يعتبر أن التغطية الاجتماعية هي عماد صيانة الكرامة الإنسانية، وتحصين الفئات الاجتماعية الهشة، وتوطيد تماسك المجتمع.
ومن هذا المنطلق، دعا جلالة الملك للشروع في تعميم التغطية الاجتماعية ابتداء من يناير 2021، وفق برنامج عمل مضبوط، بدءا بتعميم التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية، قبل توسيعه ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل.
وهو ما يتطلب إصلاحا حقيقيا للأنظمة والبرامج إصلاحا حقيقيا للأنظمة والبرامج الاجتماعية الموجودة حاليا، والتي تتسم بالتشتت وضعف التغطية والنجاعة، بما يمكن من إدماج الأجراء والمستخدمين في القطاع الخاص والمهن الحرة، ودعم الدولة للأسر التي تستطيع توفير مساهمة منتظمة، وذلك في إطار التضامن الوطني.
وارتباطا بهذا الموضوع، دعا جلالة الملك لجعل تعميم التغطية الاجتماعية رافعة لإدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي الوطني.
ولضمان شروط نجاح هذا الورش الاجتماعي الكبير، دعا جلالة الملك الحكومة للتشاور مع الشركاء الاجتماعيين لبلورة منظور عملي شامل، يتضمن البرنامج الزمني، لتنزيل هذا الإصلاح، والإطار القانوني وخيارات التمويل وغيرها.
كما دعا لاعتماد حكامة جيدة تقوم على الحوار البناء ومبادئ النزاهة والشفافية وعلى محاربة أي استغلال سياسوي لهذا المشروع الاجتماعي النبيل.
وبذلك يضع جلالة الملك لبنة إضافية لاستكمال الصرح الاجتماعي الذي يهدف لتكريم جميع المغاربة.
وفي الختام، يؤكد جلالته أن المرحلة المقبلة تتطلب تضافر جهود جميع المغاربة، مخاطبا فيهم روح الغيرة الوطنية والمسؤولية الفردية والجماعة، وجعل المكاسب المحققة في هذه الظرف القصير، منعطفا حاسما لتسريع الإصلاحات التي تقتضيها المرحلة واستثمار الفرص التي تتيحها.
وكما بدأ جلالة الملك بنبرة الأمل والتفاؤل، يختتم جلالته خطابه بآية كريمة كلها أمل تطلع وجزاء للمستقبل، جزاء للصابرين على الشدائد والمصائب، ومنها وباء كورونا، بأن يجعل الله بعد كل عسر يسرا.