المؤتمر الاستثنائي.. هل بدأ “الإسلاميون” سباق الانتخابات؟
الدار/ افتتاحية
لن يتأخر حزب العدالة والتنمية كثيرا في تسخين الأجواء الانتخابية بعد أن تتأكد مواعيد الاقتراع التشريعي المقررة في الصيف المقبل. وقد بدأت إرهاصات هذه التسخينات خلال ملتقى شبيبة الحزب من خلال تصريحات تدعو إلى عقد مؤتمر استثنائي. فقد عبر القيادي بالحزب عبد العالي حامي الدين صراحة عن أن الولاية السابقة التي قادها بنكيران هي التي يتحمل فيها الحزب المسؤولية، وقال إن “حصيلة عبد الإله بنكيران واضحة وأكدها الشعب المغربي، وعبر فيها المغاربة من خلال الاستحقاقات الانتخابية عن دعمهم لهذه التجربة”.
واليوم بعد أن قطعت تجربة حكومة العدالة والتنمية في نسختها الثانية أشواطا طويلة بحصيلة سلبية أكدها سوء تدبير جائحة فيروس كورونا، يحاول الإسلاميون إيجاد بدائل لتصريف أزمة الحزب الداخلية وفي علاقته بصورته أمام المواطنين. إذ لم يتردد حامي في انتقاد الحكومة الحالية التي يقودها العثماني معتبرا أنها انطلقت في ظروف خاصة، وتعرض فيها الحزب للعديد من المشاكل، وسجلت خلالها البلاد تراجعات، مبرزا أن “هذه التجربة تتحملها الهيئات التقريرية للحزب”.
هذا النقد الذاتي المعلن في السنة الأخيرة من عمر حكومة الإسلاميين، يحاول التغطية على الفشل الذريع الذي سجلته في تدبير جائحة فيروس كورونا، بعد أن انتقلت الوضعية الوبائية إلى مستويات قياسية، وعرف القطاع الصحي حالة من الشلل في العديد من الأقاليم. ولعل حامي الدين، والتيار الذي يمثله في الحزب، أدرك أن النتائج قد تكون كارثية بالنسبة للحزب في الانتخابات المقبلة، بسبب هذه الحصيلة السلبية. لكن الملفت في تصريحات حامي الدين حرصه الدائم على تبرئة رئاسة الحكومة من مسؤولياتها، خصوصا عندما أشار إلى أن الولاية الوحيدة التي يتحمل الحزب المسؤولية هي تلك التي قادها عبد الإله بنكيران.
ومن الواضح أن حامي الدين يحاول من خلال هذا الحكم إعادة التأكيد على فكرة “التحكم” التي سبق أن روج لها بنكيران إبان ولايته، كما كان حامي الدين من أكبر من وظفوها في تبرير فشل الإسلاميين في تدبير الكثير من القطاعات وفرض وصايتهم عليها. غير أن الغايات العميقة لترويج فكرة مؤتمر استثنائي سياسية صرفة، ويتقنها قياديو حزب العدالة والتنمية. فالظاهر أن الحديث بلسانين: لسان رسمي تمثله القيادة الرسمية للحزب، ولسان معارضة داخلية يجسدها من يوصفون بالصقور، لعبة قديمة ينبغي استعادتها باستمرار كلما اقتربت الانتخابات وضغط السياق بإكراهاته المؤثرة. هذا يعني أن المستقبل القريب قد يعيدنا إلى مسلسل الصراع الداخلي المصطنع الذي سيحاول تبييض صفحة الحزب، أو على الأقل تبييض صفحة بعض قياداته أو تيار من تياراته أمام القواعد من جهة، وأمام عموم المواطنين من جهة أخرى من تبعات الحصيلة السلبية لحكومة سعد الدين العثماني.
لكن الرسالة الأعمق من وراء هذه الدعوات لا تستهدف بالأساس عموم الناخبين، وإنما هي موجهة بالدرجة الأولى إلى الدولة وبقية الفاعلين السياسيين. فحامي الدين أستاذ القانون الدستوري، الذي سبق له أن تحدث عن ضرورة إحداث التغيير العميق لكي تنجح التجربة الديمقراطية، يمارس من خلال هذه التصريحات ابتزازا قديما يتقنه الإسلاميون كلما اقتربت المواعيد الانتخابية، وينطوي على خطاب سياسي تهديدي بهدم كل ما فات، وإعادة البناء من جديد، وربما الاستعداد للخروج إلى المعارضة، وخلق أزمة سياسية. ولن يبخل الإسلاميون في الأشهر المقبلة بترويج خطاب جذري من هذا النوع حتى لو تطلب الأمر اصطناع معارك داخلية في مواجهة القيادة الحالية، وهي كلها مجرد مناورات معتادة للتموقع في واجهة الترشيح لقيادة الحكومة المقبلة.