لبنان: هل ينهي الثنائي الشيعي جهود أديب في تشكيل حكومة جديدة؟
تمسُّك المعسكر الشيعي في لبنان ممثلا في حزب الله وحركة أمل بحقيبة وزارة المالية في أي حكومة جديدة، يصعب من مهمة رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب في تشكيل حكومة وفقا للمبادرة الفرنسية التي أتت لإخراج البلاد من الأزمة بعيدا عن نظام المحاصصة الطائفية، كما شدد أديب الاثنين. ويجد التيار الشيعي نفسه معزولا عن بقية التيارات بما فيها القريبة منه، بسبب إصراره على تولي وزارة المالية. فهل سينهي هذا المعسكر جهود أديب في تشكيل حكومة تنقذ البلاد؟
هل ينهي تمسك المعسكر الشيعي في لبنان ممثلا في حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد وحركة أمل، بحقيبة وزارة المالية، جهود رئيس الوزراء المكلف مصطفي أديب في تشكيل حكومة جديدة؟ فالنبرة التي تحدث بها الرئيس ميشال عون الاثنين حول مستقبل المشاورات للانتقال إلى مرحلة جديدة في بلد يعيش أزمة خانقة على أكثر من مستوى، توحي بأن الأمر أصبح صعبا إن لم يكن مستحيلا.
وقال عون إن مسألة تشكيل حكومة يحتاج لما يشبه المعجزة، محذرا من أن البلاد في طريقها إلى “جهنم” في حال فشل أديب في مهمته، خصوصا وأن القوى السياسية الشيعية في مفاوضاتها مع رئيس الحكومة تظل متشبثة بحقيبة وزارة المالية، “ومع تصلّب المواقف لا يبدو في الأفق أي حل قريب لأن كل الحلول المطروحة تشكل غالبا ومغلوبا”، حسب الرئيس اللبناني.
وتواجه المبادرة الفرنسية التي أتت في هذا السياق، بإشراف مباشر من الرئيس إيمانويل ماكرون، لإخراج البلاد من الأزمة الحالية التي استفحلت مع انفجار مرفأ بيروت المدمر، صعوبات حقيقية، علما أن المهلة التي أعطيت للقوى السياسية للتوصل لأرضية مشتركة، تقوم على أساسها حكومة قوية تكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات، انتهت قبل أسبوع.
عزلة الموقف الشيعي
إصرار أديب على تشكيل حكومة بعيدا عن نظام المحاصصة الطائفي، اصطدم برفض قاطع من المحور الشيعي في المشهد السياسي اللبناني، أي حزب الله وحركة أمل بقيادة رئيس البرلمان نبيه بري، الذي يترأس المؤسسة التشريعية منذ 28 عاما، وهي أطول ولاية لشخصية سياسية عربية على رأس مؤسسة تشريعية. وكانت شعارات قد رفعت ضده في المظاهرات التي هزت البلاد.
وأكدت كتلة حزب الله البرلمانية في بيان إثر اجتماعها الخميس رفضها “بشكل قاطع” أن “يسمي أحد عنا الوزراء الذين ينبغي أن يمثلونا في الحكومة.. وأن يضع أحد حظرا على تسلم المكوّن الذي ننتمي إليه حقيبة وزارية ما، وحقيبة وزارة المالية خصوصا”.
ويظهر المعسكر الشيعي يوما بعد يوم أكثر عزلة في موقفه عن بقية القوى السياسية اللبنانية. فالرفض الذي عبر عنه زعيم المحور السني سعد الحريري بكون وزارة المالية “ليست حقا حصريا لأي طائفة”، زكته أطراف متعددة في الساحة السياسية، كان أبرزها موقف الرئيس عون، الذي وجه رسائل قوية لحلفائه في التيار الشيعي دون رغبة واضحة منه في إنهاء التحالف، لأنه يعتبر أنه “لا يمنع من أن يبدي كل فريق رأيه عندما لا يكون هناك تفاهم حول موضوع ما”.
وكان موقف عون مخالفا تماما لما يعبر عنه كل من حزب الله وحركة الأمل، “للقيام بالخطوة الأولى في اتجاه مدنية الدولة، عبر إلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سميت بالسيادية، وعدم تخصيصها لطوائف محددة بل جعلها متاحة للكل”، يشدد عون.
وأتى تصريح عون منسجما مع موقف “التيار الحر” المحسوب عليه، الذي أكد في بيان معارضته احتفاظ أي طائفة بوزارة معينة. ومن نفس التيار استغرب النائب أسعد درغام عبر تويتر: “كيف أن البعض يخلق دستورا جديدا وأعرافا خاصة. فمنهم يريد حقيبة أو استئثارا في تشكيل الحكومة. وكل ذلك خلاف للدستور.. اتقوا الله”.
“وليس هو أول خلاف بين حزب الله والتيار الحر، لكن فعلا أن الخلاف حول وزارة المالية، يعزل أكثر الثنائي الشيعي” حزب الله وحركة أمل، حسب تفسير جوزيف ظاهر، صاحب كتاب “حزب الله، أصولية دينية على محك النيولبيرالية”، الوضع الحالي في لبنان لفرانس24.
وانتقد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الأحد المطلب الشيعي، متسائلا “بأي صفة تطالب طائفة بوزارة معينة كأنها ملك لها، وتعطل تأليف الحكومة، حتى الحصول على مبتغاها”.
دعوة لإنقاذ المبادرة الفرنسية
ويزيد من عزلة الموقف الشيعي حول إصراره على التمسك بحقيبة وزارة المالية بيان رؤساء الحكومات السابقة، الذين وجهوا الاثنين دعوة لإنقاذ المبادرة الفرنسية، وطالبوا حزب الله وحركة أمل بالتراجع عن تمسكهما بوزارة المالية، لكونه يتعارض مع هذه المبادرة، المتضمنة بند “المداورة” في الحقائب الوزارية.
وعقب اجتماع رباعي، قال الرؤساء الأربعة: فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي وسعد الحريري في بيان مشترك: إن “مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تشكل فرصة مهمة يجب استثمارها بالإسراع في تشكيل الحكومة، لإبعاد لبنان عن الانهيار والفتن والشرور المحدقة به”.
رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب، دعا من جانبه إلى “العمل على إنجاح المبادرة الفرنسية فورا ومن دون إبطاء والتي تفتح أمام لبنان طريق الإنقاذ ووقف التدهور السريع”، معتبرا أن “أي تأخير إضافي يفاقم الأزمة ويعمّقها”. ويطمح أديب إلى تشكيل حكومة اختصاصيين هدفها وقف الانهيار الاقتصادي المتسارع الذي يشهده لبنان منذ عام.
الوضع العام اليوم في لبنان في حاجة ماسة لنفس سياسي جديد، لا يكون، حسب رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب، إلا بـ”تعاون جميع الأطراف من أجل تسهيل تشكيل حكومة مهمة محددةالبرنامج…”، لعلاج “أوجاع اللبنانيين التي يتردد صداها على امتداد الوطن، وعبر رحلات الموت في البحر”.
ومنذ انفجار مرفأ بيروت المهول في 4 غشت، تمارس فرنسا ضغوطا على القوى السياسية لتشكيل حكومة، تنصب جهودها على إجراء إصلاحات عاجلة مقابل حصولها على دعم مالي دولي لإخراج البلاد من الأزمة الخانقة، تشكل أسوأ تهديد لاستقرار لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية في 1990 والتي دامت 15 عاما.
المصدر: الدار- أف ب