الدار/ رضا النهري
تختلف نظرة الناس إلى السكارى من النخبة، منهم من ينظرون إليهم بشماتة.. ومنهم من ينظرون إليهم بحسد، وفي الحالتين فإن عشاق النبيذ الراقي ينظرون إلى أنفسهم بنوع من الإعجاب لأنهم أقلية يثيرون باستمرار اهتمام الأغلبية.
عموما فإن المجتمع المغربي، في عمق تفكيره وانشغالاته، لا ينزعج كثيرا من حزب النبيذ، فما يعرف عن محتسي النبيذ هو أنهم “داخْلين سوق رأسهم” بكل ما في الملكة من معنى، ولا يتدخلون في شؤون الآخرين إلا لماما، والحديث هنا، بالطبع، عن الطبقة المتوسطة أو الراقية من محتسي النبيذ، وليس عن أولئك البؤساء الذين لا يكادون يتناولون الجرعة الأولى من نبيذهم الرخيص حتى يكون أذاهم قد وصل إلى من حولهم.
لأسباب كثيرة كان سكارى الطبقة الراقية بعيدين عن حالات الغش الكثيرة التي عرفها المجتمع المغربي طوال السنوات الماضية. فأغلب حالات الغش التي عرفها هذا الميدان ذهب ضحيتها مستهلكو “الماحْيا” الذي يصنّع في الكاراجات وأقبية المنازل المعزولة، وغالبا ما تكون وصفة هذا الماحْيا مستعصية حتى على كبريات شركات النبيذ.. فمن الصعب صنع نبيذ يسكر حتى الثمالة ببضعة قروش.. وحتى عندما يقتل.. فسعره أقل من سعر جرعة سم.
وفي كل الأحوال فإن حالات الغش في النبيذ الراقي نادرة جدا، وكل ما يعرفه المغاربة عن الغش هو أنه يكاد يشمل كل شيء، بدءا باللحم والدقيق والسمن واللبن وانتهاء بالمطهرات والصابون.. فالغش ظهر في البر والبحر.. لكنه كان يستثني النبيذ الراقي.
غير أن ما حدث أخيرا من اكتشاف موجات متتالية من حالات الغش في النبيذ الراقي، وفي أرقى الفنادق، يجعلنا نأسف لحال إخواننا السكارى من النخبة، الذين كنا نعتبرهم أكثر حظا منا، لأنهم حين يسكرون يسعدون، وحين يثملون ينامون.. وحين ينامون نادرا ما يحلمون.. وحين يحلمون فإنهم لا يرون الكوابيس.
لقد تعودنا على سماع ترويج لحوم الحمير والكلاب التي أكلها الملايين من الناس بشهية مفتوحة، ولم يحدث لهم شيء، وهذا ما نتمناه بالضبط لأعزائنا من مستهلكي النبيذ الغالي، أن يستمروا في صحة وعافية، لأن شعبا لا يؤثر فيه لحم كلب، لا يمكن أن يؤذيه نبيذ مغشوش.