صدور كتاب “الاجتهاد الذرائعي في المذهب المالكي وأثره في الفقه الإسلامي قديما وحديثا” لمحمد التمسماني
الدار/ خاص
صدر عن “مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك”، التابع للرابطة المحمدية للعلماء كتاب “الاجتهاد الذرائعي في المذهب المالكي وأثره في الفقه الإسلامي قديما وحديثا”، للدكتور محمد التمسماني الإدريسي.
وعمل المؤلف من خلال هذا العمل على تقريب مفهوم هذا النوع من الاجتهاد الدائر حول الأخذ بالذرائع سدا وفتحا حتى عدَّ واحدا من مصادر التشريع الذي لا تنفك حاجة الناس عنه؛ نظرا للنوازل المتجددة والوقائع والأحداث المتسارعة التي لابد من إيجاد أحكام لها، ومن ثمة ف”الاجتهاد الذرائعي أصل قصدت إليه الشريعة، فكان أدق وأرحب طريق للنظر والرأي، وهو في نفس الوقت من أهم وسائل التطور التي أحكمتها لتبقى صالحة لكل زمان ومكان، استفيد من استقراء تصرفات الشريعة الإسلامية في تشريع أحكامها وفي سياسة تصرفاتها مع الأمم، وفي تنفيذ مقاصدها”.
وقد بين الدكتور محمد التمسماني أهمية البحث من خلال مجموعة من النقط منها:
– أن الاجتهاد الذرائعي “يمثل نصف الدين، لأن التكليف إما أمر أو نهي، والأمر نوعان: أحدهما مقصود لنفسه، والثاني ذريعة إلى المقصود، والنهي نوعان: أحدهما ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني ما يكون ذريعة إلى المفسدة.
– أن الأخذ بهذا النوع من الاجتهاد شاهد على مرونة الشريعة الإسلامية ومسايرتها للحوادث وأنها نزلت رحمة للناس، تساير واقعهم في كل جديد نافع، فإذا ما عنت نازلة، أو حدثت واقعة، وظهر للمجتهد أن الأصل فيها الإذن لكنها تؤدي إلى المفسدة، فله أن يحكم بالمنع منها دفعا للمفسدة، أو كان الأصل فيها المنع لكن المصلحة الراجحة تقتضي الإذن والإباحة فيفتحها.
-الاجتهاد الذرائعي يمثل الواقعية في الفقه الإسلامي، ومن هنا كان سبب إكثار المالكية من الأخذ به راجعا إلى الواقعية التي يتميز بها المذهب المالكي أكثر من غيره، فلقد كان الإمام مالك رحمه الله واقعيا ذرائعيا على أساس الالتزام بحكمة الكتاب والسنة والتعليلات في إطارها الأصولي، ومجال ذلك هو البحث الفقهي في العمل الفعلي الممارس.
– الاجتهاد الذرائعي فيه التيسيير والتخفيف عل المكلف، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد ذكروا أن من أوجه تيسيره على أمته: أنه كان لا يفعل ما تختلف به قلوبهم، فيترك بعض الأمور المستحبة لذلك.
– كونه يمس روح التشريع ويقوم على أساس قواعده التي راعاها الشارع الحكيم في الأمور الاجتماعية وحفظ النظام العام في المجتمع، حيث يستطيع ولي الأمر الذي يحكم بشرع الله، أن يمنع بواسطته من بعض المباحات التي اتخذها الناس ذرائع إلى الفساد، ويسد عليهم أبوابها، ويمنع من التحايل على تغيير أحكام الشرع، ويسد باب التلاعب بها، وضرب بعضها ببعض، فهو مظهر عظيم من مظاهر المناعة الذاتية في الإسلام؛ يحفظ الأمة من الانحراف والتزييف، ويصونها من العبث والتبديل.
ويستشعر القارئ للكتاب مجموعة من التساؤلات والإشكالات التي تثار وتفتح آفاقا أخرى للبحث، خاصة أن صاحبها: “بذل فيها مجهودا مقدرا، واجتهد في التوفية بما يتطلبه البحث العلمي من التقصي والتحري والتدقيق فنخل مادة الموضوع من مختلف المصادر والمراجع المتخصصة، وفصل القول في جل ما تناوله من مسائل وقضايا،د.
وخلص المؤلف في بحثه القيم هذا إلى أن معظم المسائل الخلافية أصولا وفروعا تؤول غالبا إلى الاجتهاد الذرائعي، وأنه لا يمكن تحقيق القول فيها إلا بمراعاته وإحكام تصوره بملاحظة أن ما يبنى عليه يتسم بالإضافية والنسبية في الغالب، وأبرز حفظه الله الحاجة الملحة إلى العناية به والرجوع إليه والاهتمام بأحكامه وضوابطه وأصوله في شقيه: السد و الفتح، وأن ذلك يساعد كثيرا في التخفيف من حدة الخلافات الفقهية وتضييق دائرتها”.
وللإلمام بجميع جوانب الموضوع وزع صاحب الكتاب عمله على أربعة أبواب: خصص الأول للتعريف بالاجتهاد الذرائعي، وبيان حقيقته في المذهب المالكي، ليتحدث في باب ثان عن ضوابطه وأحكامه، وإيراد الاعتراضات الموجهة إلى المالكية في شأنه والجواب عنها، أما الفصل الثالث فخصصه للحديث عن حجية هذا الأصل وبيان مذاهب العلماء فيه، وكذا إيراد الأدلة الدالة على حجيته، وأما الباب الرابع فخصصه لبيان أثر الاجتهاد الذرائعي في الفقه الإسلامي قديما وحديثا، وذلك من خلال ثلاثة فصول تحدث فيها عن أثر الاجتهاد الذرائعي في أصول الاعتقاد، وفي أصول الرأي والاجتهاد، وكذا الإفتاء، كما ساق العديد من الأمثلة للذرائع في الفقه الإسلامي والتي وقع فيها خلاف بين العلماء، ليبين في الأخير أثر الاجتهاد الذرائعي في العصر الحاضر.
واستطاع الدكتور التمسماني إظهار مكانة الاجتهاد الذرائعي وأهميته عند المالكية باعتباره منهجا لاستثمار الأحكام الشرعية، مؤكدا على ضرورة إحاطته بمجموعة من الضوابط والشروط تنأى به عن العبثية والخطأ والحكم بالهوى.