حزب الأحرار.. تعزيز لقيمة الإنصات
الدار / افتتاحية
بعد حوالي سنة من اللقاءات اختتم حزب التجمع الوطني للأحرار، اليوم الأحد بمدينة آيت ملول، سلسلة لقاءات “100 يوم 100 مدينة”، البرنامج الكبير الذي أطلقه وشمل زيارة مائة مدينة صغيرة ومتوسطة بمختلف جهات وأقاليم المغرب. هذه القافلة التي جابت كل أنحاء البلاد على الرغم مما شكلته جائحة فيروس كورونا من تحدي كبير، دشنت لتجربة تواصلية حزبية غير مسبوقة، مع عموم المواطنين والناخبين. وبغض النظر عن كونها حملة انتخابية أو ترويج سياسي فإن ما يهم في هذه التجربة أولا هو درس الابتكار الذي مثلته في ظل تحجر العقليات الحزبية السائدة واعتمادها على الطرق والأساليب التقليدية التي تجعلها كل يوم أبعد من اليوم الذي سبقه عن المواطنين.
ولهذا فإن ما يمكن أن يحسب لمبادرة 100 يوم 100 مدينة، هو كسرها لهذه العلاقة الروتينية الرتيبة التي أصبحت تجمع بين الأحزاب السياسية وعموم المواطنين. نقصد بها العلاقة الانتخابية الموسمية التي تحول المرشح إلى ممون، والمواطن إلى مجرد صوت أو ورقة انتخابية. وتكرس لأزمة الثقة التي تعصف بكل مجهودات ومحاولات تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي في بلادنا. ما الذي قدمه حزب التجمع الوطني للأحرار إذا من خلال هذه المبادرة؟ إن أهم إضافة مستخلصة من هذه المبادرة هي تعزيز قيمة الإنصات التي يفتقدها الكثير من الفاعلين السياسيين أفرادا وهيئات في بلادنا.
لن نبالغ إذا قلنا إن حزب الحمامة، كان ذكيا، عندما خاض كل هذه اللقاءات قبل الشروع في صياغة برنامجه الانتخابي المقبل. كم هو هائل كمُّ المعطيات والمعلومات التي ستتوفر للحزب من خلال هذه المبادرة بشكل يسمح له بإعادة تصميم برنامجه وفقا للاحتياجات والانتظارات المرصودة. والحال أن هذا الحزب، الذي يعرف عادة بأنه حزب رجال الأعمال، له نصيب من هذا النعت. فرجال الأعمال أكثر من يدرك قيمة البيانات، في عالم رقمي متجدد تعتبر فيها المعلومة والمعطيات والبيانات ثروة حقيقية لا فقط من الناحية الاقتصادية والمالية، وإنما أيضا من الوجهة السياسية. فمن يعرف جيدا الملعب الذي يجري فيه لا محالة يتمتع بسبق على منافسه الذي قد يدخل إلى السباق بجهل مركب عما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بل وحتى النفسية للمغاربة.
ولهذا فإن أنسب وصف يمكن أن ينعت به حزب التجمع الوطني للأحرار اليوم هو أنه حزب البيانات. هناك اجتهادات كثيرة قام بها الحزب في تعزيز هذا الجانب، سواء في تواصله مع قواعده، أو مع حلفائه، أو حتى مع عموم المواطنين. لكن الذهاب إلى أبعد مدى في هذا التوجه، سيقتضي منه في المستقبل القريب تحويل كل المعطيات التي تم رصدها في قافلة 100 يوم 100 مدينة، إلى برنامج اقتصادي واجتماعي وثقافي ملموس ومخطط ومدروس، يتنبأ بكل ما يمكن أن يلبي انتظارات الناخبين، في عالم ما بعد كورونا. صحيح أن الجميع يعلم حجم ومدى معاناة المواطنين ونوعية المشاكل التي يواجهونها، لكن أن تعلم ذلك بتفصيل وبناء على استمارات واستبيانات مدروسة فالأمر مختلف، بما يتيحه لك من هوامش التحرك العلمي والعقلاني، الذي يفتقده خصومك.