عندما ينصف جهاز الأمن موظفيه ويحميهم من مخاطر المهنة
الدار / افتتاحية
عندما يضطلع رجل الأمن بمهامه فإنه يضع عادة حياته على كفه. التضحيات التي تقوم بها هذه الفئة من حراس الأمن لا يمكن أن تقدر بثمن. لا يستطيع أحد أن يحدد بالضبط قيمة مادية لهذا العمل الذي يقوم به هؤلاء الرجال وهم يحرسون الوطن، ويدافعون عن أمن المواطنين في أوضاع لا تخلو من الخطورة والمغامرة بحياتهم وأرواحهم. ولذلك فإن الحديث عن أي تعويض أو تأمين يمكن أن يؤدي حق رجل أمن فقد بعضا من عافيته أو استشهد في أداء مهامه يبقى مجرد حديث عن تعويض رمزي لا أقل ولا أكثر.
ولكن هذا لا ينفي ضرورة الاعتراف لأهل الفضل بفضلهم، والإقرار لأهل الواجب بما قدموه من واجب. وعندما يقرأ المرء بلاغ المديرية العام للأمن الوطني ويحاول حساب أرقام التعويضات والمساعدات المادية والعينية التي حصل عليها موظف شرطة سابق أحيل على التقاعد لأسباب صحية في 2013 يدرك أن موظفي الأمن، وموظفي القطاع العمومي بشكل عام، يبقون في مأمن من مخاطر الإقصاء الاجتماعي والتهميش في حال تعرضهم لأضرار مهنية تفقدهم القدرة على العمل. فقد ذكر هذا البلاغ، الذي صدر بعد تدوينة منسوبة لموظف أمن تمت إحالته على التقاعد تم تداولها في بعض المنابر الإعلامية الوطنية.
هذه التدوينة التي توحي وكأن رجل الأمن المذكور تعرض لإهمال وإقصاء، لم تعرج على الصورة الكاملة لما حدث. لم يكلف صاحبها نفسه عناء سرد ولو جانب من المساعدات المادية التي تلقاها منذ إحالته على التقاعد بسبب حادثة السير التي تعرض لها. لقد كشفت المديرية العامة للأمن الوطني في هذا الصدد أن مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني تكلفت بسداد مبلغ 104.156 درهم كمصاريف للعلاج بمركز للترويض بمنطقة بوسكورة، وأداء فواتير أدوية بمبلغ 8208 درهم، مشيرا إلى أن المعني بالأمر استفاد أيضا من رأسمال التأمين عن العجز بقيمة 120 ألف درهم، ورأسمال نهاية الخدمة في حدود 9807،10 درهم، فضلا عن مساعدات نقدية قدرها 20 ألف درهم في سنة 2015 و15 ألف درهم في سنة 2016. وإمعانا في دعم هذا الموظف المحال على التقاعد لأسباب صحية، يضيف البلاغ، قامت المديرية العامة للأمن الوطني بتمكينه من مساعدة مالية إضافية قدرها 10 آلاف درهم في 27 نونبر 2018، و50 ألف درهم وكرسي آلي متحرك قيمته 23.310 درهم في 30 نونبر من نفس السنة، كما استفاد أيضا من مبلغ 400.000 درهم كتعويض عن الضرر الناجم عن حادثة السير من طرف الشركة المؤمنة.
لا نعلم موظفا عموميا في قطاع آخر يمكن أن يحصل على كل هذه المساعدات الإضافية على التأمين القانوني الذي حصل عليه الرجل. وهذا إن كان يدل على شيء فإنما يدل على الدور الاجتماعي الهام الذي أصبحت تلعبه مؤسسات الأعمال الاجتماعية في مختلف القطاعات العمومية، من أدوار الحماية والدعم والتأمينات التكميلية. وبالعودة إلى قرار إحالة الموظف المعني على التقاعد، فإنه لا بد من التوقف عند مسألة مهمة تتعلق بالالتزام بمقتضيات القوانين المنظمة للشغل ولعمل موظفي الأمن على اعتبار أن قرار إحالة الرجل على المعاش لم يكن ليتخذ بشكل فردي، وإنما هو نتيجة لعمل مؤسسات وقرارات تفرضها مقتضيات النظام الأساسي للوظيفة العمومية في شقها المتعلق بالرخص لأسباب صحية.
وقد كان حريا بهذا الموظف اللجوء إلى المساطر القضائية للدفاع عن حقوقه إن كانت هناك حقوق مهدورة لم يتوصل بها. لأن منازعة قرار الإحالة على المعاش في مثل هذه الحالات يعتبر ضربا من ضروب إضاعة الوقت، فقد سبق لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط مقاربة دعوى قضائية من دعاوى إلغاء الإحالة على المعاش، حيث قضت برفض دعوى تقدم بها شرطي كان ضحية حادثة سير في سنة 2011 وأصيب بإعاقة حركية، والذي كان قد التمس إلغاء القرار الإداري القاضي بإحالته على التقاعد لأسباب صحية. وقد عللت المحكمة قرارها برفض الطلب بكون جهاز الأمن الوطني ينفرد بخصوصيات تفرض على المنتمي إليه أن يكون في وضع جيد يسمح له بالتدخل لحماية الأشخاص والمؤسسات.
إن تشبث هذا الشرطي أو غيره بالعودة إلى موقعه المهني أمر مفهوم إلى حد بعيد، فالأمر لا يتعلق فقط بمورد العيش والرزق وإنما هو وضع اعتباري واجتماعي يخسر المرء كثيرا بخسارته أو فقدانه، لكن ضرورات المهنة وإكراهات ممارستها لا تسمح بذلك عندما يتعلق الأمر بمهنة محفوفة بالمخاطر كمهنة رجال الأمن.