خرجة بنكيران..منازعة جديدة لاحتكار الحقل الديني
الدار / افتتاحية
إذا كانت المناسبة شرطا كما يقال فإن أكثر من يراعي العلاقة المنطقية بين السياق والموضوع هو رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران. الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية بارع في توظيف الإشارات واقتناص الظرفيات التي تعزز رصيده السياسي المتبقي، وتقوي حظوظ العودة التي لم يصرح بها لكنه يحرص باستمرار على ترك بابها مفتوحا بكل ما يعنيه ذلك من تشويق وإثارة يحسها المتعاطفون والمنتمون. لكن خرجته الفيسبوكية الأخيرة بكل ما أحيطت به من هالة سواء داخل الحزب أو خارجه لم تكن تنطوي فقط على رسالة “العودة المحتملة”، وإنما كانت مؤطرة بغاية سياسية تقليدية.
هذه الغاية هي ذاتها التي دافع عنها بنكيران في النشرة المسائية لقناة الجزيرة مباشر، وهو يطرح موقفه من قضية الرسومات الكاريكاتورية المسيئة. اختيار هذا الموضوع لتدشين خروج إعلامي مكثف لا يأتي عبثا في حسابات عبد الإله بنكيران وإخوانه في الحزب الإسلامي. إنه يراهن على مزايدة واضحة في مجال الدفاع عن المقدسات الدينية ومقومات الهوية. صحيح أن بنكيران كان ذكيا في تريثه لما بعد صدور بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون بخصوص الرسومات المسيئة، لكنه لم يأل جهدا في منازعته المكشوفة للدولة في شرف التعبير عن موقف صريح وقوي من تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
نحن نتحدث عن الحقل الذي يعتبره الإسلاميون عموما ميدان شعبيتهم وانتشارهم، وساحة صراعهم الدائم مع كل منافسيهم. بعبارة أخرى لم يكن عبد الإله بنكيران ليضيع فرصة كهذه دون أن يزايد فيها على باقي الفاعلين السياسيين، لتذكيرهم أولا بأن الحقل الديني سجل تجاري خالص للإسلاميين، ولتبشيرهم ثانيا بأنه لا يزال يحتفظ برمق سياسي يعطيه شرعية البحث عن العودة.
هذه الشرعية، التي اهتزت بعد نزول الرجل من قمة الحزب ورئاسة الحكومة، هي التي يحاول بنكيران وهو يتصدى لمناقشة موضوع الرسوم الكاريكاتورية انتزاعها من جديد، وحزبه على أبواب مؤتمر استثنائي محتمل قد يعيده إلى القيادة مجددا، وعلى أبواب سنة انتخابية تحتاج إلى حصان طروادة لاستقطاب الناخبين الجدد والاحتفاظ بولاء الناخبين القدامى. ولا يختلف بنكيران في هذه المعركة عن إيمانويل ماكرون نفسه، فهذا الأخير يحاول توظيف أزمة الرسوم الكاريكاتورية وما تلاها من أعمال إرهابية لاستقطاب ناخبي اليمين المتطرف، بينما يحاول بنكيران الركوب عليها لأهداف انتخابية وحزبية ظاهرة.
وما يؤكد هذه المنازعة الواضحة هو خفوت موقف ورأي الأمين العام الحالي للحزب سعد الدين العثماني الذي بدا رسميا وهادئا، مقابل تعبئة كبيرة حول خرجتي عبد الإله بنكيران، والتفاف مشهود من قواعد الحزب ومتعاطفيه. ومن الواضح أن توزيع الأدوار يحكم استراتيجية الحزب مرة أخرى في تدبير هذه المعركة التي توفرت فيها مقومات مثالية للفعل السياسي الإسلاموي، خصوصا وأن صورة الحزب تتلقى الضربات تلو الضربات بسبب تصريحات بعض مناضليه ومنتخبيه مثل ادريس الأزمي، أو مخافة تطبيق نظام القاسم الانتخابي الجديد.
أن يتصدر بنكيران المشهد الإعلامي وهو يصرح “أنا أدعو ماكرون، أنا أقول لماكرون…” فهذا خطاب يؤكد أن بنكيران لم يستطع خلع جبة رئيس الحكومة والمسؤول التنفيذي. بل إنه يؤكد أنه يحن إليها لمقارعة الكبار ومواجهتهم، ويقترح نفسه بطريقة غير مباشرة لتقديم خدماته في ولاية حزبية وحكومية جديدة. ولن يجد الرجل ذريعة أنسب من اقتحام الجدل العالمي الذي أثارته رسوم الكاريكاتور ووضع فرنسا ورئيسها في حرج أمني ودبلوماسي لا تزال تداعياته متواصلة.