تحليل إخباري: العدالة والتنمية يحتمي بقضايا الهوية
الدار/ رشيد عفيف
حزب العدالة والتنمية بصفته الحكومية يمارس السياسة هذه الأيام بمنطق رد الفعل في مواجهة ما يتلقاه من ضربات متتالية ومتنوعة. يبدو أن الحزب لم يجد درعا يحتمي به أكثر من العودة للتقوقع حول مرجعيته الفكرية والثقافية. هذا ما يظهر من كل القرارات التي اتخذها الفريق البرلماني للبيجيدي في الآونة الأخيرة.
هذه العودة للتحصن بالمكون الهوياتي ظهرت في مناورتين سياسيتين. الأولى تهم البلوكاج الذي خلقه الفريق البرلماني للحزب فيما يتعلق بمناقشة مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. وهو مشروع قانون من اقتراح الحكومة التي يقودها العدالة والتنمية. وينصب الخلاف بين برلمانيي الحزب ووزير التربية الوطنية حول المادتين 31 و32 من القانون والمتعلقان بلغات التدريس واللتين تقترحان تدريس المواد العلمية في الإعدادي والثانوي باللغات الأجنبية.
من المؤكد أن هذا الموقف المعارض لن يستمر وأن الحكاية ستنتهي باستسلام الكل للإرادة الرسمية التي تنفذها الحكومة، لكن من الواضح أن الهدف من هذه المعارضة ليس هو إنصاف اللغات الرسمية وعلى رأسها العربية بقدر ما هو محاولة لاسترجاع ملعب يمثل نقطة القوة المتمثلة مقومات الهوية والتي يدرك الحزب أن تفريطه بالكامل فيها يعتبر إفلاسا سياسيا وشعبيا منذرا بالخطر.
هذا البعد الاستعمالي للمكون الهوياتي يظهر بجلاء في الموقف الموازي المتعلق بمشروع القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية الذي أدت معارضة برلمانيي البيجيدي لبعض مكوناته وبنوده إلى تأجيله إلى الدورة التشريعية المقبلة. يجب التذكير هنا بأن نقطة الخلاف التي تحمل طابعا اجتماعيا تم تجاوزها وهي تلك المتعلقة بمجانية الخدمة التعليمية رغم أنها من أكثر القضايا حساسية بالنسبة للمواطنين، لكن المسألة اللغوية تبدو أكثر أهمية بالنسبة لبرلمانيي الحزب.
قبل فترة رفض رئيس فريق العدالة والتنمية ادريس اليزمي التوقيع على التعديلات التي أعدها برلمانيو التجمع الوطني للأحرار والتي على رأسها كتابة الأمازيغية بحرف "تيفيناغ". يبدو هذا الموقف على طرفي نقيض مع الموقف الآخر المتعلق بإنصاف العربية في التدريس، زيادة على أن نواب العدالة والتنمية لا يفتؤون يؤكدون أن تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية يعتبر ظلما في حق اللغتين الرسميتين للبلاد. لكن بالنسبة لهؤلاء "تيفيناغ" يجب أن تكتب بالحرف العربي.
هذه الازدواجية في معايير التعامل مع المكون اللغوي العربي والمكون اللغوي الأمازيغي هي التي تعزز فرضية التوظيف السياسي للقضايا الثقافية بالنسبة لبرلمانيي العدالة والتنمية.
هذا ما لمح إليه وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي في ندوة صحفية عقدها يناير الماضي عندما أكد أن قضية لغات التدريس في القانون الإطار لا يجب أن تكون محط مزايدات سياسية.
وهذه الفرضية تتعزز أكثر عندما يتعلق الأمر بمشاريع قوانين مستمدة من هيئات استشارية رسمية كالمجلس الأعلى للتربية والتعليم الذي يعتبر تقريره الشهير "الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 " بمثابة الدستور الموجه لكل الإصلاحات والمشاريع التي يعرفها قطاع التعليم. هذا المشروع الذي تمت المصادقة عليه في برلمان المجلس الذي يضم في تمثيليته أعضاء في حزب العدالة والتنمية أشهرهم النائبة أمينة ماء العينين. وما بين الرؤية الاستراتيجية التي تضعها الحكومة على رأس قائمة المذكرات الموجهة للبرنامج الحكومي، وبين القانون الإطار رقم 51.17 مسافة سياسية يصارع فيها حزب العدالة والتنمية خوفا من الاحتواء والذوبان في ميولات تحالف حكومي لم يقبله الحزب منذ البداية إلا على مضض.
يجب أن لا ننسى أن الجدل المثار حول قوانين لغات التدريس و"تيفيناغ" يأتي في سياق سياسي خاص تمر فيه العلاقات بين قطبي التحالف الأحرار والبيجيدي بأسوأ أيامها منذ البلوكاج الحكومي الشهير. قبل أقل من شهر تزايدت حدة التراشق بين الحزبين وقياداتهما إلى مستوى غير مسبوق بمساهمة من رئيس الحكومة المتقاعد عبد الإله بنكيران ووزير الفلاحة عزيز أخنوش. وفي هذه الحرب الكلامية كانت الملفات الحكومية وعلى رأسها قانون الفوترة الالكترونية في صلب الجدل وموضوع اتهامات متبادلة. والظاهر أن التعثر الجديد لمشروع القانون 51.17 قد يمثل أرضية جديدة لتصفية الخلافات السياسية.