مكاسب أزمة الكركرات..عزل الجزائر وتدعيم الجسور مع موريتانيا
الدار / افتتاحية
من المؤكد أن أزمة الكركرات ليست سوى معركة في الحرب الكبرى التي يخوضها المغاربة منذ عقود ملكا وشعبا من أجل مغربية الصحراء وتعزيز الوحدة الترابية. ومن الواضح أن هذه المعركة وما بعدها تدار بحنكة وتبصر واضحين، لتحقيق مكاسب بنيوية في هذا الملف الذي يدخل في نطاق الأولويات الوطنية. وهذه المكاسب التي تم انتزاعها على هامش هذه الأزمة الأخيرة هي التي تفسر وتبرر ذلك القدر الكبير من الصبر الذي واجهت به السلطات خروقات البوليساريو واستفزازاتهم وهم يقطعون الطريق أمام حركة السير والتجارة في معبر حيوي بالنسبة للعلاقات التجارية المغربية الإفريقية.
ومن أهم هذه المكاسب البارزة التي تم تحقيقها اليوم هذا الحسم النهائي في تأمين معبر الكركرات وطرد المرتزقة وقطاع الطرق إلى غير رجعة، وتمديد الجدار العازل بشكل يحول دون عودتهم إلى نقطة الحدود الموريتانية. لقد كان تصريح عمر هلال الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة في نيويورك دالا على أن هذه المكاسب تعلن عن مرحلة جديدة في تعاطي المغرب مع الانفصاليين والجزائر. فإعلان البوليساريو عن التحلل من وقف إطلاق النار، كان بمثابة إقصاء رسمي لها من كل مخططات الحلول السلمية، وجعلها تضع نفسها خارج دائرة أي تفاوض أو تسوية.
هناك مكسب آخر يتمثل في هذه العزلة الجزائرية المتزايدة فيما يتعلق بالتأثير على مسار النزاع. الخطوة الانتحارية التي أقدمت عليها البوليساريو بإيعاز من الجزائر، جعلت الجنرالات المتهورين يحرقون آخر أوراقهم في استفزاز المغرب، ومعاكسة وحدته الترابية. ما الذي يمكنهم القيام به مستقبلا في مناوراتهم ضد المغرب؟ لم يعد هناك خيار آخر غير فتح جبهة عسكرية مباشرة، وهو الأمر الذي يعني انتحارا للنظام الجزائري. لقد فاجأت التطورات الدبلوماسية المسجلة في الآونة الأخيرة والمتمثلة في تزايد القنصليات العربية المفتتحة في الأقاليم الجنوبية، النظام الجزائري ودفعته إلى ردود أفعال متوترة، كان أبرزها هذا القرار الخاص بتنصل البوليساريو من اتفاق وقف إطلاق النار.
لكن العزلة الجزائرية لن تزداد فقط بحضور دول وازنة كالإمارات العربية المتحدة والأردن، ولكن أيضا بهذا التقارب المغربي الموريتاني المرتقب، والذي عززته المكالمة الهاتفية التي أجراها الملك محمد السادس مع الرئيس ولد الغزواني. اتفاق الطرفين على تبادل الزيارات الرسمية قريبا يعتبر مبادرة دبلوماسية ملكية غاية في الذكاء وفي توقيت متميز. إن تعزيز العلاقات المغربية الموريتانية يعد في الظرفية الراهنة مسألة ملحة بالنظر إلى الأهمية الكبيرة التي تشكلها نواكشوط بالنسبة للعمق والامتداد الإفريقي للمغرب. لا يجب أن ننسى أن موريتانيا والمغرب معا كان متضررين من هذا الإغلاق الذي افتعلته عصابات الانفصاليين لمعبر الكركرات. وأن إرادة البلدين أساسا تسير في اتجاه توسيع نشاط هذا المعبر، وزيادة تدفق السلع والبضائع في إطار شراكة رابح رابح التي يقيمها المغرب مع شركائه الأفارقة.
لن يتردد الملك محمد السادس قريبا في زيارة نواكشوط أو استقبال رئيسها في الرباط، لمد الجسور القديمة مع الأشقاء هناك، ليثبت للجيران والعالم أن محاولات الجزائر لعزل المغرب وقطع ارتباطه بغرب إفريقيا مجرد وهم أو حلم لا يمكن السماح بتحققه. لا توجد قوة إقليمية أو دولية يمكنها أن تبتر المغرب عن عمقه الإفريقي، مهما كان نفوذها أو إمكاناتها المادية والعسكرية. ومن الواضح أن موريتانيا نفسها واعية بأن استمرار ارتباطها بالمغرب عبر معبر الكركرات مسألة حيوية بالنسبة لاقتصادها وآفاق النمو والتنمية فيها. إن امتداد الطريق السريع المرتقب ليصل إلى موريتانيا سيشكل لا محالة رافدا من روافد التنمية والتطور التي لن تستفيد منها الأقاليم الجنوبية للمملكة وحدها، بل ستجني من ورائها أيضا نواكشوط مكاسب اقتصادية ومالية مهمة.