إنجاح مرحلة ما بعد الأزمة: تحد شاق لمدراء الموارد البشرية
أضحت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى خدمات مدراء الموارد البشرية، الذين وجدوا أنفسهم في قلب التحولات الناجمة عن الأزمة الحالية التي جعلت منظومة الشركات وتنظيمها بالكامل أمام اختبار حقيقي. فبسبب تعليق العمل أو توقفه، والعمل عن بعد والرقمنة وكذا إعادة هيكلة فضاءات العمل في احترام للتدابير الصحية، كان على مسيري الموارد البشرية التفاعل بشكل عاجل ومواجهة تحديات ورهانات جديدة، سواء أثناء مرحلة الحجر الصحي أو بعد استئناف النشاط.
وفي هذا الصدد، تقول خديجة بوغابة، الرئيسة التنفيذية ل”إنفست آر-اتش” (Invest RH)، في تصريح لها، إن “الأزمة الصحية والتوقف المفاجئ للنشاط خلال فترة الحجر الصحي دفعا بمدراء الموارد البشرية إلى الواجهة داخل مؤسساتهم”. وأشارت إلى أن هذه الأزمة أبانت أيضا على أن الشركات التي قاومت بشكل أفضل هي تلك التي تتوفر على رؤية متأصلة للموارد البشرية وثقافة قوية موجهة نحو العنصر البشري وإدارة منفتحة، بالإضافة إلى أجراء ملتزمين ومؤهلين. وتابعت، في هذا السياق، أن وظيفة الموارد البشرية تتمثل في المساهمة بفعالية في تسريع وتيرة التغيير والاضطلاع بدور الميسر، مؤكدة على أهمية الرقمنة والتدبير وتنمية المهارات، التي تعد مشاريع ذات أولوية لما بعد الأزمة. وردا على سؤال حول الدروس التي ينبغي استخلاصها من هذه الأزمة، أكدت السيدة بوغابة أنه بالإضافة إلى أهمية الحرص على الصحة الجسدية والنفسية للمستخدمين “فإن هناك العديد من الدروس، في نظري، نظرا لشدة تأثير الأزمة على الموارد البشرية والمكانة المركزية للرأسمال البشري على مستوى كل شركة”، والتي يجب أن تظل في صلب اهتمام كل مؤسسة حتى بعد جلاء الأزمة.
وحثت في هذا الصدد، على إعادة تعريف وظيفة الموارد البشرية حتى تتمكن من لعب دورها بشكل كامل “كشريك أعمال” حقيقي، من خلال الاستجابة للانشغالات الآنية على مستوى التسيير، مع السعي الحثيث إلى استباق التطورات التي تتربص بالشركات. وأضافت أن هذا الأمر يمر أساسا عبر انفتاح المقاولة على محيطها، مع الاعتماد على الأدوات التكنولوجية ونظم الإدارة الناجحة، وتطوير خبرتها وقدرتها على التكيف.
من جانبه، قال كمال فهمي، مستشار رئيس في الموارد البشرية ونائب رئيس لجنة الرأسمال البشري بالغرفة الفرنسية للتجارة والصناعة بالمغرب، إن التواصل الداخلي أخذ حيزه كاملا في منظومة الموارد البشرية خلال الأزمة، لأنه مكن مدراء الموارد البشرية من البقاء على اتصال دائم مع الأجراء، لإطلاعهم على المستجدات والقرارات التي تتخذها الشركة.
ووفقا للخبير، تبقى إعادة التفكير وتكييف تنظيم العمل داخل المؤسسة رهانا رئيسيا بالنسبة لمدراء الموارد البشرية خلال مرحلة استئناف النشاط، عبر الإبقاء على العمل عن بعد للوظائف التي لا يكون فيها الحضور إلى مقر العمل ضروريا، مع وضع، في بعض الشركات، ميثاق للعمل عن بعد وتكوين المسؤولين عن التسيير عن بعد، لتفادي أي نزاع أو إحباط في صفوف الأجراء. ولاحظ أنه تم التركيز أيضا على عملية رقمنة عمليات الموارد البشرية خلال هذه الفترة بأكملها، نظرا لأن الشركات التي تخلفت عن ركب التحول الرقمي، واجهت صعوبات كبيرة في ضمان استمرارية النشاط خلال فترة الحجر الصحي وبعد استئناف الأنشطة. وفيما يتعلق بعملية تكوين المتعاونين، أشار إلى أن التعلم الرقمي (التعلم الإلكتروني أو التكوين عن بعد) حل محل الطرق الحضورية الكلاسيكية، من خلال استعمال منصات رقمية متخصصة مكنت مسيري الموارد البشرية من ضمان تنمية مهارات المتعاونين.
وتابع أن المقابلات أيضا صارت تتم عبر تقنية المناظرة المرئية، سواء تعلق الأمر بمقابلات التعيين أو التقييم السنوي، فضلا عن تعزيز آلية التواصل الداخلي، من خلال استخدام أدوات الويب من مواقع الشركات والشبكات الاجتماعية الداخلية للشركات. وخلص إلى أن هدف مدراء الموارد البشرية يتمثل في إطلاع المتعاونين بشكل مستمر، وخاصة أولئك الذين يشتغلون عن يعد، على مستجدات الشركة، لا سيما تلك المتعلقة بالتدابير الصحية في حالة إصابة مستخدم أو أحد أقاربه بالعدوى، وتنظيم ندوات عبر الإنترنت مع المسؤولين الإداريين لطمأنة الأجراء، وتقديم أجوبة على انشغالاتهم، وتبديد الإشاعات، وهو ما يساعد على تعزيز الانخراط والشعور بالانتماء.
المصدر: الدار– وم ع