دراسة ترصد تجليات الدبلوماسية الروحية من خلال مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم
الدار / خاص
في إطار الدراسات العامة التي تصدرها الرابطة المحمدية للعلماء في مختلف العلوم الدينية والسياقية، أصدر مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك”، التابع للمؤسسة، دراسة حول قيمة حول ” تجليات الدبلوماسية الروحية في الفعل النبوي الشريف: قراءة في مواقف” للدكتورة الباحثة بالمركز أسماء المصمودي.
وفيما يلي نص الدراسة
لا مراء في أن الدعوة المحمدية شكلت منهجا متكاملا ومتناسقا بدءاً من الجمع بين الدين والدولة أو الديني والمدني، فقد أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم لدولة تتكامل فيها الأبعاد الإنسانية والقيمية والأخلاقية، إذ كان التشريع النبوي تشريعا إلهيا بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [1]، تشريع مؤيد بالوحي الإلهي، هذا التأييد الذي من شأنه أن نقف على مواطن الحكمة فيه؛ لأن التعامل مع التشريعات النبوية أقوالا وأفعالا وتقريرات، لا يمكن أن نقتصر من خلاله على البعد التعبدي فقط، وإلا لكان القرآن كافيا لتحقيق هذا البعد، ولكن الغاية من السنة، هو الالتفات إلى الرسالة والنبوة، وكذا الحكمة والعقلنة والسلامة في تسطير خطوات عيش كريم للإنسانية جمعاء، ثم التنزيل الحي لما جاء في القرآن الكريم، لتتحقق بذلك القيمة الاستخلافية في الأرض، والخلافة المقصودة في الآية: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[2] ، هي الخلافة بالأخلاق المحمدية، تلك الأخلاق التي بدأ التأسيس لها منذ آدم عليه السلام إلى أن تممها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمقتضى قوله: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”[3].
من ثمة يروم هذا المقال استحضار مواقف تعاملية من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الآخر سواء في إطار اختلاف الديانة أو ائتلافها، وسبر أغوار الدبلوماسية النبوية القيمية والتربوية لنستخلص منها قيما تربوية نحرص على تفعيلها لتحقيق تنمية ذاتية وإنسانية ترقى بالمجتمع و تسهم في إعادة صياغة جديدة لمفهوم الديني والمدني في العالم الإسلامي، صياغة تفاعلية وتفعيلية، أكثر منها تعريفية تاريخية لبلوغ رفعة ورقي في العيش والتعامل كما أراد لنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحافظ على البعد الإنساني التأسيسي الذي انطلقت منه الدعوة المحمدية.
الإشكال: ما هي تجليات الدبلوماسية الروحية أو ما أود أن أصطلح عليه بالدبلوماسية المؤيدة في الفعل النبوي الشريف؟
من الطبيعي أنه لا يمكن استقصاء كل المواقف؛ لأن السيرة النبوية الشريفة عامرة بها، ولكن سأكتفي بثلاثة منها مما يفي بإبراز معالم الطرح الذي أتبناه خلال هذا المقال.
انطلق هذا المقال من كلمات مفاتيح هي كالآتي:
الدبلوماسية الروحية.
الفعل النبوي الشريف.
قراءة في المواقف.
وظفت كلمة “فعل” في العنوان وقصدت ذلك إذ لم أوظف “العمل” لغاية كامنة في معناهما اللغوي:
فالفعل: هو عمل لا يمتد في الزمان ولا يأخذ وقتاً ولا يُخطط له بل يأتي مصادفة.
أما “العمل”: فهو الفعل الذي يمتد في الزمان ويأخذ وقتاً طويلاً ويُخطط له. والعمل فيه إمتداد زمن ﴿ َيعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾[4] هذا للجانّ وهذا العمل يقتضي منهم وقتاً، لكن لما تحدث تعالى عن الملائكة قال: ﴿ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾[5] لأن فعل الملائكة برمش العين. فالفعل: “التأثير من جهة مؤثر وهو عام لما كان بإجادة أو غير إجادة ولما كان بعلم أو غير علم وقصد أو غير قصد ولما كان من الإنسان والحيوان والجمادات والعمل مثله والصنع أخص منهما[6]. والفرق بين الفعل والعمل:” أن العمل إيجاد الأثر في الشيء . يقال: فلان يعمل الطين خزفا، ويعمل الخوص زنبيلا، والأديم سقاء . ولا يقال: يفعل ذلك؛ لأن فعل ذلك الشيء هو إيجاده عبارة عما وجد في حال كان قبلها مقدورا سواء كان عن سبب أو لا” [7]؛ “الفعل يدخل فيه القول وعمل الجوارح، والعمل لا يدخل فيه القول على الإطلاق”[8]، والفعل هو الأنسب للمواقف.
تعريف كلمة موقف: المراد بها في هذا سياق تهيؤ عقلي لمعالجة تجربة أو أمر من الأمور تصحبه عادة استجابة خاصة، والمقصود هو التطرق من حيث كونه صلى الله عليه وسلم كان هو صاحب الرأي والفصل في نوازل معينة، والفصل فيها موقف ورأي، واتخاذ موقف بمعنى إصدار قرار والرجل المُوَقَّفُ هو الرجل المحنك المجرَّب، وموقف رجل على الحق أي: ذلول به.[9] ومن ثمة فسيعمد هذا المقال إلى قراءة بعض من مواقفه صلى الله عليه وسلم وقراراته التي اتخذها بقريحته المتصلة وسريرته المفتوحة على آفاق نورانية مكنته من السداد والتوفيق.
الدبلوماسية؛ وأقصد بها براعة التعامل مع الآخرين، طريقة تعامل بين الناس تقوم على التوصل إلى الهدف بوسائل بعيدة عن العنف تتسم باللباقة والدهاء، نقول: يستخدم دبلوماسيته في تحقيق الأهداف. والدبلوماسية الروحية منسوبة إلى الروح، والروح هي كل ما يحصل به الحياة، “وقال بعضهم: هي شعاع الحقيقة، وفي الحديث: تَحابُّوا بذكر الله ورُوحِه؛ أَراد ما يحيا به الخلق ويهتدون فيكون حياة لكم، وقيل: أَراد أَمر النبوَّة، وقيل: هو القرآن”[10].
الروحية؛ قلنا نسبة إلى الروح، ويقول في تعريفها عبد الحق بن سبعين: “الروح على مذهبي هوية هويتها هدف. والروح على مذهبي آنية آنيتها سلف. ونقطة تنقطع بزيادة الخط وتمد ولا تحتمل في وسطها وآخرها اللفظ”[11]، ثنائية الهوية والآنية والهدف والسلف، فآنيتها سلف وهويتها هدف، وقد اصطلحت على الدبلوماسية الروحية بالدبلوماسية المؤيدة لتأييدها في آنيتها وإنيتها ووجودها سلفا، ولهويتها الهادفة سلفا وخلفا، وكل بتأييد من النور الأزلي والهوية القديمة؛ الحق عز وجل. والتأييد: “مصدر أيدته أي قويته، قال الله تعالى: ﴿إذ أيدته بروح القدس﴾، وقُرئ: ﴿إذ آيدتك﴾ أي: قويتك، من أيدته على فاعلته”[12] فهو صلى الله عليه وسلم مؤيد على دبلوماسيته.
*الدبلوماسية المؤيدة قسمان:
– ديبلوماسية مؤيدة بالوحي.
– دبلوماسية مؤيدة بالاتصال؛ اتصال القلب تأييد روحي.
وهاته المؤيدة بالاتصال يمكن تقسيمها إلى أربعة أنواع: دبلوماسية التأسيس، ودبلوماسية الاستشراف، ودبلوماسية التمكين، والدبلوماسية الموازية.
* دبلوماسية التأسيس: والتي من تجلياتها صحيفة المدينة، وقد كانت أول دستور للدولة الإسلامية، وظاهر مقومات صحيفة المدينة أو الوثيقة أنه أساس لابد منه لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في المجتمع، إذ هي في مجموعها إنما تقوم على فكرة التأسيس لوحدة الأمة الإسلامية وما يتعلق بها من البنود التنظيمية الأخرى التي لا يمكن أن تقوم إلا على أساس الدبلوماسية النبوية والسياسة الحكيمة التي تروم التأسيس لأرضية يستقر عليها المجتمع الإسلامي خاصة والكنه الإنساني عامة، ومن هذه الوثيقة وبنودها تسقط دعوى من ينعتون الدين الإسلامي بكونه خاص بعلاقة العبد بربه، إذ قامت الدولة الإسلامية منذ بزوغ فجرها على تسيير دبلوماسي روحي مؤيد باتصال قلب مشرع أنظمتها بربه، فكان ذلك التسيير مراعيا لحقوق الرب والعباد إذ لا ضمانة لتطبيق العدل إلا على أساس قيام معنى الولاء والتناصر بدافع من الشعور القلبي.
* دبلوماسية التمكين: أتت بعد رسوخ ربوع وأركان الدولة الإسلامية، ومن تجلياتها؛ زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من جويرية رضي الله عنها إثر انتصار المسلمين في غزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة للهجرة، فهذه كانت أسيرة، لكنها بنت سيد قومها، فتزوجها النبي، وتألف قلب قومها، وأُطلِق سراحهم جميعاً، وأسلموا جميعاً، هذه حكمته صلى الله عليه وسلم من حيث حفظُ الكرامة، إذ رام صلى الله عليه وسلم أمران اثنان هما من صلب الدبلوماسية؛ أولهما حفظ كرامة الأسياد وهذا من باب العرف، ومن ثمة فالعمل وفقه من أجل الدبلوماسية أمر مرغوب ما لم تكن فيه مخالفة شرعية، والأمر الثاني إعتاق رقابٍ لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفرض على أصحابه عتقها خاصة بعد نزول سورة الأنفال، من ثمة قام بفك أسرى بني المصطلق بدبلوماسية مع أصحابه، إذ تمكنت محبته من قلوبهم فما كان منهم إلا أن ضحوا بأسراهم تأدبا مع جنابه الشريف، حيث أبوا أن يظل أصهار رسول الله أسرى عندهم، فأطلقوا سراحهم جميعاً، لذلك قالوا: أعتق الله بها مئة من أهل بيت قومها، فما كانت امرأة مباركة على قومها كهذه المرأة. وهذا الذي غاب عن بعض المستشرقين الذي تحدثوا في زواج النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ إن معظم زيجاته كانت تأليفاً للقلوب، أو لمصلحة إيمانية راجحة، أو لغاية دعوية كبيرة .
* دبلوماسية الاستشراف؛ ومن تجلياتها صلح الحديبية في شهر ذي القعدة من نفس السنة، الذي كان عزما على أداء العمرة ليتم عوضها صلح الحديبية بناء على اجتهاد دبلوماسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفق رؤية دبلوماسية بدت في شكل تنازلات كما فهمها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بينما كانت منه صلى الله عليه وسلم استشرافا سياسيا ودبلوماسيا يروم النتائج المستقبلية وليس الآنية، وإنما جاء الوحي بعدها بسورة الفتح لطمأنة الصحابة رضوان الله عليهم وتأييد الدبلوماسية النبوية لمن لم يقتنع بالفعل النبوي، تأكيدا على أن دبلوماسيته صلى الله عليه وسلم دبلوماسية مؤيدة باتصال روحي يضمنه صفاء سريرته عليه السلام وإخلاص نيته وسمو همته ورفيع أخلاقه، وهذا ما يؤكده قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما جاءه عمر معترضا في الرد على عمر والذي نتبين منه هذه الدبلوماسية المؤيدة أو الروحية؛ إذ كان أبو بكر رضي الله عنه أعرف الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ينهل من كل ما هو روحي منه عليه الصلاة والسلام ليقينه التام وتصديقه الكامل في التأييد الرباني للفعل النبوي في قوله: أيها الرجل ـ يقصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه، وهو ناصره، استمسك بِغَرْزِهِ”.[13] كما تتجلى الدبلوماسية النبوية في هذا الصلح في مواقف منها:
-إحرامه صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة ليأمن الناس من حربه: مؤشر دبلوماسي وتواصلي.
– في رد المسلمين على الكفار بمقتضى معاهدة الصلح، إعمار للبيت وزيادة خير له وإكثار للصلاة فيه: مؤشر دبلوماسي استشرافي.
– في قوله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى، وفي رواية : “يسألوني فيها صلة الرحم، إلا أعطيتهم إياها”[14]، تقديم العدو في المقترح دبلوماسية غايتها الجنوح للسلم لتحقيق النصر المؤجل وتعزيز دولة الإسلام والسلم، والحفاظ على المجتمع المدني واحتضانه تحت عروة الإسلام، إذ دخل معظم من كان في صلح الحديبية للإسلام في فتح مكة
– تلك التنازلات التي قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء كتابة معاهدة صلح الحديبية؛ من كتابة عبارات: “باسمك اللهم”عوض “باسم الله الرحمن الرحيم”، وكتابة “محمد بن عبد الله” عوض “رسول الله صلى الله عليه وسلم”، التي أثقلت على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنها عكست دبلوماسيته التي راعت المشترك بين المتعاقدين والمتعاهدين بما يقتضيه حال الحرب وحال السلم، فبفضل رؤيته الروحية والمؤيدة وبقدم راسخة، تمكن صلى الله عليه وسلم من حقن الدماء وضمان الفضل الآجل ولو في رد الفئة المسلمة على أهلها، إذ عرف صلى الله عليه وسلم أن من ذاق حلاوة الإيمان استحال في حقه أن يعود للكفر، فقبل شرط رد من أتاه مسلما على أهله وهو ما تحقق فعليا من خلال اجتماع من ردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهلهم فيما يناهز ثلاثمائة مقاتل قطعوا عن عير قريش المرور إلى الشام، مما جعل قريش يتضرعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبل من أتاه مسلما، فاستدرجهم عليه الصلاة والسلام بدبلوماسية السلم إلى أن يتنازلوا عن أصعب بند في معاهدة صلح الحديبية على نفس المسلمين آنذاك دون الجنوح إلى الحرب، فطلب العاجلة واستبعد الآجلة فكانت دبلوماسية رسول الله صلى الله عليه وسلم دبلوماسية استشرافية مؤيدة .
تتجلى من هذه المواقف حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحنكته وعظيم سياسته للأمور، إضافة إلى بصره النافذ وعلمه ببواطن الأمور، حتى كـأنه يعرف ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل القريب؛ من الفتح ودخول قريش في دين الله أفواجًا، وكذا حرصه صلى الله عليه وسلم على تعظيم حرمات الله وعلى مصلحة الدعوة، وقد كان أخذ على نفسه ألا يرد على قريش خطة تهدف وتؤدي إلى ذلك، بل نجده يوافق على ما يملونه من شروط، ويلين عند تصلبهم وتعنتهم، تنفيذًا لذلك العهد. وقد ذكر في المواهب أن حث عمر بن الخطاب رضي الله عنه على السؤال، لم يكن شكا بل كان طلبا لكشف ما خفي عليه، وحثا على إذلال الكفار وظهور الإسلام كما عرف في خلقه، وقوته في نصرة الدين وإذلال المبطلين، وأما جواب أبي بكر لعمر رضي الله عنهما بمثل جواب النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من الدلائل الظاهرة على عظم فضله، وبارع علمه، وزيادة عرفانه، ورسوخه، وزيادته في ذلك على غيره[15].
*الدبلوماسية بالموازاة: وهي التي تتوقف على فعل الآخر: وذلك امتثالا لأمر الله تعالى كما في الآيات الكريمة:
﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[16].
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[17].
﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.
فتكون ردة فعل النبي صلى الله عليه وسلم بناء على فعل الآخر، إي بموازاته لكن باستحضار قيم ثلاث: التقوى والقسط والإحسان وهذا شرط مشروط حتى تظل تحت سترها الروحاني المتخلق.
خلاصة القول: إن الدبلوماسية الروحية تجلت في أسمى معانيها في العمل النبوي الشريف المؤيد بالوحي وكذا في الفعل النبوي الشريف المؤيد بالاتصال، هذا الاتصال الذي يمكنه التحقق في كل من سعى نحو تصفيه باطنه وتوجيهه إلى تمثل السيرة النبوية والاقتداء بصاحبها، ومن ثمة نشدان كمال الأخلاق الذي به تتحقق الدبلوماسية الروحية السديدة ذات النفع المتصل والمتواصل.
إن هذا البعد الدبلوماسي خاصة والتربوي عامة في المنهج الدعوي، ما أحوجنا إليه اليوم بعد ما تفشى في العالم العربي عامة والإسلامي خاصة من معالم الغلو والتطرف التي ألحقت بالإسلام ما ليس منه، وكذلك الفرقة والغربة التي أصبح يعيشها الإنسان بين ذويه من جراء الابتعاد عن أساليب تربوية اعتمدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمنت للإنسانية جمعاء الحياة السليمة المتوازنة التي تحقق لنا مفهوم الخلافة المخلقة.