عودة الحركة إلى سوق البورصة في الموصل بعد الحرب المدمرة
عادت الحياة إلى سوق البورصة للجملة في مدينة الموصل العراقية الذي كان يشكل محطة تجارية أساسية في الشرق الأوسط، وقضت عليه ثلاث سنوات من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة، لكن لا تزال هناك حاجة الى ترميم نحو مئتي محل تحمل آثار المعارك المدمرة مع الجهاديين.
ويقع سوق البورصة في شرق الموصل ويمتد على مساحة نحو كيلومترين وفيه قرابة 500 محل تجاري. وتحوّل شارعه الرئيسي وطرقه الفرعية إلى ورشة عمل تعيد تأهيل المحال التي دُمرت نتيجة أشهر طويلة من المعارك بين القوات الحكومية والجهاديين انتهت بالقضاء على التنظيم المتطرف في تموز/يوليو 2017.
اليوم، عاود حوالى 300 محل نشاطه. يفتح أصحابها كل صباح أبوابها الحديدية، وعادت الزحمة في أوقات الذروة، ويمكن مشاهدة الشاحنات تفرغ صناديق كرتونية ضخمة من البضاعة هنا وهناك.
ويقول الباحث الاقتصادي في جامعة الموصل الدكتور محمد نايف إن قيمة المبادلات في سوق البورصة قبل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة عام 2014 “تراوحت بين 12 و13 مليون دولار شهريا”.
لكن هذا الرقم انخفض حاليا “إلى ما بين 8 و10 ملايين دولار بسبب ظروف المدينة وهجرة التجار والنازحين” الذين لم يعد جزء كبير منهم بعد.
وغادر العديد من التجار وأصحاب المحال الكبيرة سوق البورصة إثر العمليات العسكرية ليجدوا أماكن جديدة لمحالهم سواء في غرب الموصل أو في محافظات أخرى وإقليم كردستان أو حتى خارج العراق.
في السوق الذي يعود لينبض بالحياة، تشهد المبيعات ارتفاعا، ويتزايد معها عدد الوظائف الجديدة في بلد يوجد فيه عاطل عن العمل من بين كلّ خمسة مواطنين، وفق الأرقام الرسمية.
ويتوقع نايف “تطور السوق بشكل أكبر وأوسع إذا عوضت الحكومة أصحاب المحال والبيوت المتضررة”.
– دور في إعادة الاستقرار –
وكان عبد الله أحمد محمود (27 عاما) من بين أول العائدين إلى السوق. ويقول صاحب المحل المختص ببيع مواد التنظيف، “الإقبال على السوق جيد حاليا، ويشجع ذلك استقرار الوضع الأمني في الموصل”.
ويقول تاجر المواد الغذائية عبيدة أحمد (26 عاما) “عودة الحياة الى السوق ساهمت بشكل كبير في إحياء وإعمار المناطق المدمرة المحيطة به”، لا سيما أنه “وفر فرص عمل عديدة… من عمال وحمالين وأصحاب مطاعم ومقاه وغيرهم”.
وتحيط بالسوق مناطق سكنية شعبية في شرق الموصل، هي الزنجيلي والشيخ فتحي وشارع البيبسي والمشاهدة وباب سنجار والشفاء. وقد بدأت الحياة تعود إلى تلك الأحياء.
وتأسس سوق البورصة مطلع التسعينات، وكان حينها مكونا من محال وبسطات صغيرة، لكنه توسع لاحقا ليصير أكبر سوق جملة يغذي الأسواق الصغيرة والفرعية في محافظة نينوى، ثالث أكبر محافظة في العراق، والموصل مركزها.
وتصل السلع إلى المستهلكين عن طريق أصحاب المحال الصغيرة الذين يشترون احتياجاتهم من هذا السوق الرئيسي.
وأعيد إعمار السوق بإمكانات ذاتية من أصحاب المحال.
ويعتبر التاجر يونس عبد علي (50 عاما)، وهو صاحب محل مواد غذائية جاء للتزود بالبضاعة، أن السوق “استعاد عافيته تقريبا”.
لكنه يرى أن تجاوز آثار الحرب يتطلب أن “تسرّع الجهات الحكومية في تعويض المتضررين في المنطقة حتى يمكنهم العودة إليها من جديد”.
وقدم كثير من سكان الموصل مطالب للحكومة لتعويض الأضرار التي لحقت بمنازلهم وسياراتهم ومتاجرهم، لكن قليلين منهم لاقوا تجاوبا خلال ثلاثة أعوام.
– فرص رغم الأزمة –
ودُمرت الصناعة في العراق بشكل شبه كلي عقب الاجتياح الأميركي والإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين عام 2003. ولا تمثل الزراعة سوى خمسة في المئة من إجمالي الناتج المحلي، لكنها توظف عشرين في المئة من اليد العاملة، ويواجه الفلاحون صعوبات في ترويج بضائعهم.
وأفسح سوق البورصة المجال أمام الفلاحين والصناعيين لعرض وتصريف منتجاتهم، بعد أن كانوا يعانون في نقلها وبيعها في منافذ بعيدة.
ويقول الفلاح خلف عويد (35 عاما) “افتتاح محال البورصة اختصر الكثير من الوقت والجهد في عرض وبيع بضاعتنا بعد أن كنا نبيعها في أطراف الموصل”، مضيفا “أتوجه ببضاعتي صباحا وأوزعها على أصحاب المحال والعربات دون أي متاعب كالسابق”.
أما صاحب محل الجزارة وليد غانم (32 عاما) فيوضح أن “افتتاح السوق وعودة الحياة إليه حلّ مشاكلنا وحقق لنا الأرباح”.
إلا أن التاجر أحمد الشمري (42 عاما) يشير إلى ضعف الإنتاج المحليّ الذي يمثل “عشرة في المئة فقط” من المعروض. ويقتصر هذا الأخير على “سلع بسيطة ويدوية تصنع محليا كالإسفنج ومواد الغسيل والمكانس”.
بالإضافة الى الأزمة الاقتصادية، يعاني العراق من تداعيات وباء كوفيد-19 وانهيار أسعار النفط الذي يمثل مورده الوحيد تقريبا.
وتقول أم سعد ( 35 عاما ) التي تتزوّد بالبضاعة من سوق البورصة لمحلها للمواد الغذائية في منطقة رأس الجادة إن سوق البورصة يحظى باقبال كبير، لكن “القدرة الشرائية ضعيفة، والرواتب يتأخر دفعها، ما يمنع الناس من الشراء”.
المصدر: الدار– أف ب