أمريكا في الصحراء..نهاية الأوهام الانفصالية
الدار / افتتاحية
الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وافتتاح قنصلية لواشنطن في مدينة الداخلة، يمثل أهم تطور تاريخي في مسار النزاع المفتعل. لم يكن هذا القرار متوقعاً ولا منتظراً قبل سنوات قليلة. لكن النّقلة النوعية التي مثّلها افتتاح قنصلية للإمارات العربية المتحدة في مدينة العيون مهّدت لقرار بهذا الحجم، سيأتي على البقية الباقية من أوهام الانفصال، ويزيد الجزائر عزلةً في محيطها المغاربي والعربي والإفريقي باعتبارها البلد الوحيد تقريباً الذي لا يزال يحاول تقسيم المغرب وفصل صحرائه عنه. ويستمدّ هذا القرار الجديد أهميته من السياق الذي جاء فيه مباشرة بعد أزمة الكركرات وطرد شِرذمة قطاع الطرق، وإثبات الحيوية الدولية لهذا المعبر الحدودي الذي يفتح العالم بأسره على القارة السمراء.
هذا الاعتراف الأمريكي الصريح يضع قضية الصحراء فعلاً على سكّة جديدة مغايرة وثورية في مقاربة النزاع المفتعل. افتتاح القنصلية الأمريكية في الداخلة قريبا، يمكن أن يكون بوابة لإقبال العديد من الدول الأخرى على قرارات مشابهة، لافتتاح تمثيليات دبلوماسية أخرى. قبل فترة كانت الجزائر تحاول تبْخيس الحضور الإفريقي في الأقاليم الجنوبية من خلال التمثيليات الدبلوماسية التي فتحتها هناك، وكان الإعلام الجزائري يروج الأكاذيب والادعاءات بل ويسخر من هذه من البلدان الإفريقية التي اتخذت هذا القرار، على اعتبار أنها دول ليس لها أي تأثير دبلوماسي دولي، لكن القرار الأمريكي سيحول اليوم هذه السخرية إلى عويل ونحيب، فنحن نتحدث عن أكبر وأقوى دولة في العالم، وعن بلد يعتبر عضوا دائم العضوية في مجلس الأمن، وأحد أكبر المستثمرين في الاقتصاد النفطي الجزائري.
فإذا كانت دول مثل جزر القمر ، والغابون، وساو تومي وبرنسيب دول غير ذات أهمية دبلوماسية في نظر الجزائر، فها هي ذي الولايات المتحدة تضع قدمها وتمثيليتها في الصحراء. هل سيبخس الإعلام الجزائري مرة أخرى هذا القرار ويعتبره أيضا غير ذي قيمة؟ يجب أن يدرك الجزائريون وانفصاليو البوليساريو أيضا أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء في هذه الظرفية الحالية هو أيضا إعلان لإنهاء البروباغندا “العسكرية” الوهمية التي تطلقها جبهة البوليساريو منذ تدخل القوات المسلحة في معبر الكركرات. فإذا كان الانفصاليون قد فتحوا كما يدعون الحرب على القوات المسلحة الملكية فإن الإعلان الأمريكي يمثل في الوقت الراهن نقطة نهاية لأصوات البنادق المزعومة.
لقد كان أولى بالجزائريين أن يتأملوا جيداً تدوينة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي يعترف من خلالها بمغربية الصحراء. ولعل هذه التدوينة تنكأ من جديد ذلك الجرح الجزائري الغائر، وهي تشير إلى الاعتراف بسيادة دولة عريقة هي المغرب على جزء من أراضيها. لقد ذكر ترامب الجزائريين بأن المغرب اعترف بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1777، وهو التاريخ الذي لم يكن فيه لدولة الجزائر وجود، بينما كان المغرب امبراطورية مترامية الأطراف تمتد من غرب إفريقيا جنوبا إلى البحر الأبيض المتوسط شمالا، ومن المحيط الأطلسي غربا إلى الصحراء الشرقية شرقا.
هل يعلم الجزائريون أن ترامب يحاول من خلال هذه التدوينة تذكيرهم بأن المغرب كان أول بلد يعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، وأن سيادة الدول العريقة على حدودها التاريخية، لا يمكن أن تغيرها ظروف الاستعمار العابرة، على عكس الدول التي استحدثها الاستعمار ولم يكن لها أي وجود تاريخي معروف. هذا هو واقع الجزائر التي بذلت كل ما تملك من أموال ودبلوماسية وتسليح في السنوات الماضية لتقسيم المغرب ومعاكسة وحدته الترابية، لكن جهودها باءت بالفشل، وتفتح التحولات الدبلوماسية غير المسبوقة اليوم المجال مفتوحا أمام تساؤل المواطنين الجزائريين عن مصير مقدراتهم وثرواتهم التي أهدرت في نزاع لا ناقة لهم فيه ولا جمل.