الاستثناء المغربي في مقاربة التطبيع والقضية الفلسطينية
الدار / تحليل
تفرض طريقة تدبير علاقات المغرب مع إسرائيل والقضية الفلسطينية كما تجلت منذ 2018 قدرا كبيرا من التريث في اتخاذ المواقف وتقدير الرؤى نظرا لما اتسمت به من عمق استراتيجي تظهر اليوم بجلاء نتائجه الجلية. لقد برزت هذه النتائج في أبهى صورها في لحظة الاستقبال الملكي الذي خص به الملك محمد السادس مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاريد كوشنر ومستشار الأمن القومي لدولة إسرائيل مئير بن شبات. كان عنوان هذا الاستقبال هو أن المغرب لم يكن متهافتا على نسج أي علاقات بحثا عن مصالح ضيقة وإنما كان هو في حد ذاته غاية لا تدرك إلا بصعوبة من طرف الباحثين عن تطبيع العلاقات.
لقد كان مشوارا طويلا هذا الذي قاد إلى لحظة الاستقبال، فقد بدأ الأمر منذ 2018 عندما دشن جاريد كوشنر زيارته الخاصة للمغرب، وحظي فيها بالاستقبال الملكي. ومنذ ذلك الحين بدأت تتفاعل التطورات الدبلوماسية تدريجيا نحو الوصول إلى إنضاج شروط استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل. وقد كانت إدارة هذا المسار بذكاء وتريث سمة مميزة لتدبير هذا الملف طوال سنتين، كان من الواضح أنهما شكلتا زمنا تفاوضيا متوسطا ينبغي المرور منه قبل التوصل إلى الاتفاق والنتيجة التي تم الخروج بها. وكان من أبرز معالم هذه الحكمة في تدبير هذا الملف الحساس تحول المغرب إلى قبلة للطرفين الأمريكي والإسرائيلي اللذين جاءا من تل أبيب خصيصا للإعلان الرسمي عن هذا الاتفاق.
لا يتعلق الأمر كما قلنا إذا بتهافت رسمي من المغرب على نسج هذه العلاقات لأجل أغراض انتهازية، فالمغرب شدد في موقفه وتصريحاته الرسمية أن الأمر يتعلق باستئناف لعلاقات قائمة وليس بتطبيع نهائي وشامل، فالمسؤوليات التاريخية والدينية الملقاة على عاتق الملك محمد السادس باعتباره رئيسا للجنة القدس وكذا مواقف المغرب التاريخية من القضية الفلسطينية، تجعله يؤكد من خلال المسار الذي قطعته المفاوضات أن ما أقدم عليه من استئناف للعلاقات يجب أن يكون ضامنا لحقوق الشعب الفلسطيني وخادما لقضيتهم. وهذا ما يفسر بالمناسبة التفهم النسبي الكبير الذي عبر عنه الفلسطينيون أنفسهم لموقف المغرب ولطريقة تدبير علاقته الجديدة القديمة بإسرائيل.
وقد ظهر هذا التدبير الاستثنائي المتميز بكل رمزياته التاريخية والدينية والثقافية خلال الاستقبال نفسه، عندما ظهر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات بصفته المغربية الأصيلة وهو يخاطب الملك باللهجة الوطنية، ويلقي خطابه الرسمي أيضا بها. هذه لحظة جد هامة بالنسبة للإسرائيليين أنفسهم، الذين كانوا دائما يدينون بالولاء للعرش العلوي على اعتبار أن تجربتهم المريرة مع النازية في ألمانيا وفي الدول الأوربية التي احتلتها، قابلها حماية تاريخية من طرف الملك محمد الخامس. ومن هنا فإن الجالية اليهودية المغربية الكبيرة التي تعيش في إسرائيل شكلت رافدا مهما من روافد استئناف العلاقات بين البلدين في أفق تطبيعها بشكل نهائي بعد حل القضية الفلسطينية وإقرار الدولتين.
لقد كان واضحا أيضا من الاستقبال الرسمي الذي خصص للضيوف في المطار، أن هناك تريثا مغربيا واضحا لعدم الاحتفاء التام والشامل بهذه الخطوة، وهي رسالة كان الهدف منها أن يفهم الطرف الإسرائيلي والأمريكي معا أن استعداد المغرب لتطبيع العلاقات لا يعني بتاتا التراجع عن الثوابت المتعلقة بدعم حقوق الشعب الفلسطيني. ولذلك حرص المغرب من خلال وزير خارجيته والبيانات التي سبقت وأعقبت اللقاء أن الأمر يتعلق بتفاهم مع الطرف الأمريكي الذي يعتبر هنا بمثابة الضمانة لالتزام كل الأطراف بمسار جديد في مسيرة علاقاتهما.
لن نبالغ إذا اعتبرنا أن المغرب دبر هذا الملف بكثير من التميز والاستثناء الذي يضمن له تحقيق مكتسبات استراتيجية مرتبطة بالمستقبل، مع تجذير المواقف الوطنية الراسخة تجاه القضايا العربية والقومية. ولا أدل على هذا الاستثناء تلك الصورة الرمزية القوية التي علت قاعة الاستقبال وهي تظهر شجرة الشرف والانتساب إلى الدوحة النبوية الشريفة، في حضور الضيوف الذين يحمل جلهم الديانة اليهودية.
استقبل جلالة الملك محمد السادس مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، الثلاثاء 22 دجنبر 2020، بالقصر الملكي بالرباط، وفدا يضم : جاريد كوشنر، المستشار الرئيسي لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية ؛ مئير بن شبات، مستشار الأمن القومي لدولة إسرائيل، أفراهام بيركوفيتش، المساعد الخاص لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية والممثل الخاص المكلف بالمفاوضات الدولية.
وذكر بلاغ للديوان الملكي أنه خلال هذا الاستقبال، جدد جلالة الملك الإعراب عن ارتياحه العميق للنتائج التاريخية للاتصال الذي أجراه جلالته في 10 دجنبر 2020 مع دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. ويشكل المرسوم الرئاسي الذي يعترف بمغربية الصحراء، إضافة إلى التدابير المعلن عنها من أجل استئناف آليات التعاون مع إسرائيل، تطورات كبرى في سبيل تعزيز السلام والاستقرار الإقليمي.