صحة

علاج الأمراض والأوبئة بين الطب الطبيعي والطب الحديث

منذ بدء الخليقة، كابد الإنسان من أجل البقاء، وطو ر أساليب متعددة للحفاظ على سلامة صحته من أجل التمتع بحياة أفضل، وتمكن عبر آلاف السنين من تحقيق تراكم كبير في أساليب معالجة الأمراض والعلل التي تصيبه من خلال استثمار عطاءات الطبيعة من حوله، وابتكاراته، حتى بلغ من التطور العلمي والتقني الذي نشهده اليوم.

لكن بالرغم من التطور اللافت الذي عرفه الطب الحديث، لازالت العديد من المجتمعات تحتفظ بتراثها وثقافتها التقليدية في علاج الأمراض والأوبئة وتلجأ إليها ، خصوصا عندما يقف هذا الطب عاجزا أمام معضلات صحية مثل التي تعيشها البشرية اليوم مع فيروس كورونا .

وأمام الوعي المتزايد بأهمية العودة إلى كل ما هو طبيعي في التغذية كما في العلاج، أو ما يصطلح عليه ب”الطب التقليدي” (الشعبي) أو “الطب البديل” أو “الطب الطبيعي” ، لا سيما مع تأكد مساوئ استعمال المواد المصنعة والآثار الجانبية للأدوية الكيماوية على صحة الإنسان، تبرز الحاجة اليوم إلى معرفة منافع ومحاذير هذا النوع من التطبيب، وترشيد استعمالاته واستثمار فضائله بما يحفظ صحة الأفراد والمجتمع.

والطب التقليدي (الشعبي)، كما تعرفه منظمة الصحة العالمية، هو “مجموعة من المعارف والمهارات والممارسات التي تقوم على نظريات ومعتقدات وخبرات تختص بها شتى الثقافات”، تستخدم “في الحفاظ على الصحة وفي الوقاية من الأمراض العضوية والنفسية أو في تشخيصها أو تخفيفها أو علاجها”، وتمتد جذوره لآلاف السنين، فهو بذلك عريق وراسخ في عدة مناطق من العالم كإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها.

وحول الفروق الكامنة بين الطب التقليدي الطبيعي والطب الحديث، أوضح الدكتور محمد خليل، وهو طبيب يجمع بين الطب الحديث والطب التقليدي الصيني، وكان من أوائل الطلبة المغاربة الذين درسوا بكلية الطب بالصين، أن الفرق يكمن في النظريات ووسائل العلاج، موضحا أن الطب التقليدي عموما يستعمل العلاجات بالأعشاب وعددا من الوسائل التقليدية التي تختلف من بلد لآخر، والتي أثبتت فعاليتها عبر تجارب وممارسات الشعوب خلال بحثها عن علاجات لعدد من الأمراض والأوبئة.

ومن منطلق تخصصه، بي ن الدكتور خليل في حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، أن الطب التقليدي الصيني ينظر إلى الإنسان كوحدة متكاملة، ويقوم على نظرية الطاقة داخل الجسم، بحيث إن أي اختلال في توازنها يسبب المرض، فهو بالتالي طب وقائي وعلاجي يشتغل على إعادة هذا التوازن بكيفية شاملة، مستعملا وسائل وعلاجات طبيعية، لا تترك آثارا جانبية في الغالب، كالوخز بالإبر الصينية والحجامة والعلاج بالتدليك والكاسات الفارغة والأعشاب الطبية والمنتوجات الحيوانية وغيرها.

وأبرز الدكتور خليل في المقابل، أن الطب الغربي ينظر إلى الإنسان نظرة تجزيئية، حيث يركز على المكان المصاب بالمرض في الجسم، ويعتمد العلاج بالأدوية الكيماوية التي لا تخلو من آثار جانبية قد تصل إلى الوفاة، لكنه ناجح في علاج بعض الأمراض التي تستوجب الجراحة، وكذا كثير من أنواع التعفنات والأمراض التي تسببها الميكروبات وغيرها من الكائنات الحية الدقيقة التي تضر بجسد الإنسان.

وخلص الدكتور المخضرم إلى أن كلا الطبين لهما مجالاتهما و”لا يمكن أن نفضل طبا عن طب، بل هما متكاملان”، مشيرا إلى أن استعمالهما معا في بعض الحالات المرضية يعطي نتائج أفضل.

وأشار في هذا الصدد، إلى دور هذا الاستعمال المزدوج في مكافحة وباء (كوفيد- 19) والحد من عدد الإصابات والوفيات بالصين، حيث استعانت هذه الأخيرة، التي كانت أول بؤرة لتفشي كورونا في العالم، كثيرا بالطب التقليدي الصيني في علاج المرض خصوصا في مراحله الأولى (الحالات الخفيفة والمتوسطة) ، وكذلك في فترة النقاهة وما بعد مرحلة الشفاء ، من أجل المحافظة على طاقة الجسد وتقوية جهاز المناعة، ومساعدة المرضى على التعافي بشكل سريع. أما في الحالات الحرجة والخطيرة، فلجأت السلطات الصحية الصينية إلى الوسائل المعروفة في الطب الغربي من أجهزة للتنفس الاصطناعي، وأدوية كيماوية.

وأضاف الدكتور خليل أن الصين تعتمد عموما الطريقتين معا في العلاج حسب حالة المريض، فهناك مرضى يمكن علاجهم باستعمال أساليب الطب التقليدي فقط، حيث يشفون تماما، وهناك مرضى آخرون حالتهم المرضية تستدعي العلاج بالطب الغربي بمساعدة الطب التقليدي الصيني، مشيرا إلى أن الطبيب هو الذي يحدد كيفية وطريقة العلاج التي يحتاجها المريض .

وأبرز في هذا الصدد، أن الطب التقليدي الصيني يكون جد فعال وأفضل من الطب الغربي في علاج الأمراض الوظيفية التي تمثل أكثر من 70 في المائة من مجموع الأمراض ، كآلام المفاصل والظهر وعرق النسا (سياتيك) والرقبة والكتف والحساسية والربو والشقيقة إلى جانب علاج اختلالات وظائف أجهزة مختلفة في الجسم كالمعدة والأمعاء وغيرها .

أما فيما يخص تثمين الإرث التقليدي الشعبي في علاج الأمراض، أبرز الأخصائي أن الصينيين لم يفرطوا في طبهم التقليدي، عكس ما حصل في بلدان العالم الأخرى، بل طوروه وأقاموا له مراكز للأبحاث ومعاهد متخصصة ، وتمكنوا من تحديد المقادير الفعالة والآمنة ، بينما “بقي هذا النوع من الطب التقليدي في باقي دول العالم كالدول العربية عشوائيا ولم يتم تبنيه رسميا وإدخاله إلى الجامعات والاستفادة منه”، معربا عن اعتقاده بأن الدول مستقبلا ستتجه نحو البحث في الوسائل الطبيعية الناجعة لعلاج المرضى.

ومن جهته، لفت الصيدلاني خالد الزوين، خريج كلية الطب والصيدلة ليموج بفرنسا، تخصص العلاج بالأعشاب الطبية ( phytothérapie )، في حديث مماثل، إلى “وجود فراغ قانوني كبير في مجال ممارسة العلاج بالأعشاب الطبيعية في الدول النامية”، بينما في الدول المتقدمة كأوروبا يوجد تكوين أكاديمي في هذا المجال ي خر ج أطرا صحية متخصصة بمستويات مختلفة، من م حضر صيدلاني تخصص علاج بالأعشاب الطبية أو الزيوت الطبية إلى صيدلاني إلى وحدات تخصصية أخرى….. .

وحول مدى أمان العلاج بالأعشاب الطبيعية، قال الأخصائي والباحث في علم الوراثة والأدوية والأمراض السرطانية pharmacogénétque en encologie إن ذلك يستلزم اللجوء إلى أصحاب التخصص الذين يمارسون هذا النوع من العلاج طبقا للضوابط العلمية وفي إطار احترام القوانين، لأنهم الأقدر على ضبط مكونات المواد المستعملة في العلاج والطرق السليمة لجنيها وتخزينها وتحضيرها وكذا مقادير ومدة وأساليب استعمالها ( أقراص، زيوت ، محلول..)، مؤكدا أنه باحترام هذه الشروط يكون العلاج آمنا وخاليا من أي آثار جانبية.

وبخصوص المقارنة بين الطب الطبيعي والطب الحديث من حيث الفعالية والنجاعة في مواجهة الأوبئة، اعتبر الدكتور الزوين أن الطب الحديث أنجع أسلوب في العلاج بسبب أدوات التشخيص الدقيقة والمبكرة ، وآليات التدخل المستعملة في العلاج ، خاصة في المستعجلات، إلى جانب نوعية الأدوية المستعملة لمواجهة الأوبئة، لا سيما اللقاحات المستعملة للوقاية من الفيروسات والبكتيريا المسببة لها.

أما العلاج الطبيعي ، يقول الخبير في الأعشاب والزيوت الطبية، فهو أسلوب للوقاية أساسا ولعلاج الأمراض الخفيفة وغير المزمنة وغير الحادة (آلام الرأس العابرة، حالات الزكام، بعض مشاكل الجهاز الهضمي، وآلام المفاصل)، وكذا الأوبئة عندما تكون في مراحلها الأولى، مشيرا إلى أن التشخيص من قبل الممارسين غير الأكاديميين بسيط ، إذ يعتمد على الملاحظة والحوار مع المريض فقط، في حين يستعين الصيادلة الممارسون لهذا النوع من العلاج، بنتائج تشخيص طبي حديث للمريض للتمكن من معرفة وتحديد نوع المرض قبل وصف العلاج .

وأكد الدكتور الزوين في المقابل، أن الطب الحديث باستعماله للأدوية الصناعية والكيماوية يسقط في معضلة الآثار الجانبية لهذه الأدوية التي قد تبدأ بأثر بسيط على الجسد وقد تصل إلى الوفاة.

وحول ما يروج بشأن وقوف “لوبي” صناعة الأدوية الكيماوية وراء التضييق على ممارسي العلاج الطبيعي، اعتبر الدكتور الزوين أن هذا الأمر غير وارد لسببين، أولهما أن هامش الربح في صناعة الأعشاب الطبية وطرق العلاج الطبيعي “لا تسيل لعاب أصحاب معامل الصناعة الدوائية، فهؤلاء لهم هوامش ربح جد مهمة تجعلهم لا يفكرون حتى في استعمال هذه المواد، فبالأحرى أن يكونوا طرفا في مواجهة أسلوب العلاج الطبيعي”، وثانيهما أن دائرة الفعالية ونوع الأمراض المعالجة بالأعشاب الطبية هي جد محدودة مما يجعل المستثمرين في صناعة الأدوية الكيماوية لا يهتمون بهذا النوع من العلاج .

وأشار الأخصائي أيضا إلى أن هناك صناعات تعتمد على الأعشاب الطبية، لكنها موجهة بالأساس نحو الوقاية والتجميل، كما أن هناك بعض المواد التي تستخرج من الأعشاب بطريقة صناعية لها علاقة بالصناعة الكيماوية مثلا Artémisinine وهو دواء لعلاج السرطان يستخرج من عشبة تشبه الشيبة artemisia officinalis لكن هذا يستلزم أطنانا من هذه العشبة للوصول إلى الجرعة المطلوبة للعلاج.

وبخصوص تقنين ممارسة العلاج الطبيعي بالمغرب، أفاد الأخصائي الذي ناهزت خبرته في المجال 30 عاما، بأنه في المغرب، كانت هناك محاولات واهتمامات خاصة بهذا الموضوع تتعلق أولا بمحاربة كل ما يصنف في نطاق الشعوذة ، وثانيا بضبط ما هو مسموح به من العلاجات الطبيعية بضوابط ومقاييس علمية معترف بها دوليا، ثم تقنين الممارسة وإدماج هذا النوع من التكوين في التعليم الأكاديمي.

ولفت إلى أن إدماج الطبين الطبيعي والحديث موجود في الدول المتقدمة منذ زمن؛ كالصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية ، حيث تتخرج من كليات الطب والصيدلة ومدارس أخرى متخصصة بهذه البلدان أطر صحية بمستويات مختلفة في مجالي الطب الحديث والطب الطبيعي .

أما فيما يخص التغطية الصحية والتعويض عن أساليب العلاج بالطب الطبيعي أو الطب البديل في هذه الدول ، فأوضح الدكتور الزوين، أن هذا العلاج ليس مدرجا ضمن تعويضات صندوق الدولة على المرض، باستثناء بعض شركات التأمين الصحي الخاصة التي تقدم تغطية في حدود 3000 دولار تقريبا.

المصدر: الداروم ع

زر الذهاب إلى الأعلى