متى يخرج الجزائريون من مصيدة الدولة الشائخة؟
الدار / افتتاحية
لست مبالغا بأي حال من الأحوال إذا قلت إن العسكر في الجزائر يسيرون بنظامهم وبلادهم نحو انتحار جماعي خطير، قد تكون له انعكاسات كبيرة على البلاد وعلى المنطقة بأسرها. فما تعيشه الجزائر اليوم من ارتباك سياسي واضح وتفكك للدولة واستقواء لمراكز النفوذ على حساب مصالح الشعب الجزائري ومؤسساته أمر سيكون له ما بعده. ما نراه اليوم كان نتيجة لسياسات نهجها العسكر منذ عقود، لكن الذي سرع من تفاقمها هو الحراك الشعبي الذي انطلق قبل فترة ليقضي على رؤوس نظام بوتفليقة، ويفتح قوس أمل يبدو أنه انغلق بسرعة وهذه هي المغامرة التي دخلتها الجزائر اليوم.
لقد فتح الحراك آمالا عريضة أمام الشعب الجزائري، وخصوصا في أوساط الشباب الذي آمنوا بإمكانية التغيير وبالخيار الديمقراطي وبناء دولة مدنية وعصرية، على أسس المواطنة والمؤسسات وحرية الاختيار. لكن الذي وقع كان شبيها بمصير العديد من ثورات الربيع العربي، عندما ركب العسكر على ثورة الشباب الجزائريين، ثم ضحى ببعض رموز ورؤوس النظام السابق، في محاكمات تبدو سوريالية إلى حد بعيد، ثم استغل ظرفية جائحة فيروس كورونا استغلال ذكيا ليعود العسكر إلى فرض سيطرتهم على كل مفاصل الدولة ومراكز القرار. إن أخطر ما في هذا الوضع هو أنه يخفي وراءه كرة الآمال العملاقة التي تم دحرجتها إلى أن اقتربت من هدفها ليصعد من جديد الجنرالات إلى الواجهة ويوقفوا تقدمها نحو الأفق الديمقراطي المنشود.
وما يصدر اليوم من إشارات سياسية مستفزة لمشاعر الشعب الجزائري، يؤكد أن احتمالات تضخم هذه الكرة وتحولها إلى تيار من الغضب الجارف أضحت أكبر من أي وقت مضى. وأبرز هذه الإشارات تلك المهزلة التي يتابعها الشعب الجزائري عن رئيسه الذي يقدم أحيانا بأهلية صحية كاملة، ثم فجأة ينقل على عجل إلى ألمانيا لتلقي العلاجات بسبب تدهور حالته الصحية. إن كثيرا من الشباب الجزائري الذين خرجوا في حراك “فيفري” كما يطلق عليه، يتابعون هذا المشهد بكثير من الحسرة، وهم يتساءلون في قرارة أنفسهم: ألهذا خرجنا إلى الشارع؟
لهذا السؤال دلالته وأهميته البالغة في الحالة الجزائرية، لأن جوابه يعيد الأوضاع من جديد إلى نقطة الصفر. ويؤكد أن لا شيء تغير. لقد ناضل هؤلاء المحتجون للتخلص من نظام متخلف ورئيس عجوز وعاجز، لكنهم وجدوا أنفسهم مرة أخرى تحت سلطة رئيس مريض لا يقل عجزا، وتحت طائلة نظام لم يتغير فيه إلا اسم الجنرال. لذلك فإن كرة الغضب التي تحدثنا عنها ستزيد كبرا وتضخما. فصمت الجزائريين اليوم على مهازل سلطتهم وحكومتهم ليس إلا جزء من صبر تاريخي طال أكثر من اللازم. ولا شيء يضمن في سياق من الأزمة الصحية والاقتصادية أن يتجاوز هذا الصبر حدود المعقول والمقبول.
هذا المقبول وذاك المعقول يؤكدان أن شعبا شابا وطموحا وواعيا كالشعب الجزائري لن يصبر على هذه المهزلة السياسية طويلا. لن يصبر على استبدال رئيس عاجز بآخر مريض، ولا استبدال جنرال متوفي بجنرال عجوز. ولا تعويض نظام شائخ بنظام تزينه مساحيق لم تحجب حقيقته العسكرتارية الاستبدادية. ولعل المعركة التي فتحها المغرب على منافذ صحرائه في الكركرات تمثل مسمارا سيدق في نعش هذا النظام، فالجزائريون يكتشفون يوما بعد يوم أن معاركهم المصيرية والجوهرية تم تهريبها نحو صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، تستنزف ثرواتهم وخيراتهم، وتعطل مصالحتهم الوطنية وانتقالهم نحو أفق ديمقراطي حقيقي، يسعون إليه منذ عقود طويلة.