فن وثقافة

المسرح المغربي الأمازيغي : إضافة نوعية في مجال الفن الرابع

في مقاربة للمسرح المغربي الأمازيغي، الذي جرى إنتاجه منذ سنوات طوال، تشكلت تجارب فنية كرست إشعاعها وألقها، لأنها اشتغلت على تقنيات كثيرة ولحظات حياتية مغايرة ، ظلت وفية لكل مراحل الإنتاج والإنجاز في مجال المسرح.

وإذا كانت هذه التجارب، التي تعد إضافة نوعية في مجال الفن الرابع، قد فرضت نفسها ضمن المشهد الفني المغربي فرضا، فلأن المشتغلين في هذا المجال من فنانين ومخرجين وتقنيين، لهم رؤية واضحة بشأن المزج بين الفن والمعطى الهوياتي، وهو ما ضمن لهذه التجارب المسرحية الأمازيغية المتميزة بالتنوع والغني، مزيدا من الانتشار لدى جمهور متعطش لمعانقة تجارب فنية مغايرة.

فمن الإنتاج، الذي يمر بالإنجاز صولا إلى التداول، راكم المسرح المغربي الأمازيغي عبر الزمن مؤلفات مسرحية كثيرة في الإبداع والتحليل والنقد، وصولا إلى عروض تنشط مختلف الفضاءات الثقافية الوطنية في أكثر من مناسبة.

ذلك أن تتبع مسار المسرح الامازيغي عبر تاريخه الطويل، والاهتمام بكل روافد الثقافة الوطنية المتنوعة الأشكال والأنماط، والمتباينة المرجعيات، أمازيغية وعربية وإسلامية ويهودية وأندلسية وحسانية، يتطلب الالتفات أكثر للثقافة الفنية الامازيغية، وهو ما أسر به الكاتب والباحث المسرحي محمد لعزيز، صاحب كتاب “دراسات في المسرح المغربي الامازيغي” الصادر مؤخرا ضمن ضمن منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

واعتبر هذا الكاتب، الذي صدر له أيضا كتاب “قراءة في النص المسرحي” سنة 2011، أن هذا الاهتمام يأتي بشكل عام، ضمن تلك الحركية التي يسميها بعض الباحثين بـ”اليقظة الامازيغية”، والتي يقصد بها الاهتمام المتزايد بهذا الرافد الثقافي الوطني ومحاولة البحث في جميع أشكاله الثقافية والفنية.

وبالاعتماد على قراءته للعديد من العروض المسرحية الأمازيغية الحديثة، يؤكد لعزيز أن التجربة المسرحية الأمازيغية بالرغم من حداثتها، وبغض النظر عن خصوصياتها مقارنة مع التجارب المسرحية المغربية الأخرى، فإن “أمر الحكم لها أو عليها لا يزال سابقا لأوانه، بل لا يزال في حاجة إلى وقت أطول كي يشيد هذا المسرح بنيانه الصلبة، ويرسي قواعده الخاصة، وتتضح معالمه بشكل أقوى وأسطع، غير أن ذلك لا يمنع من تبيان بعض أوجه تلك المميزات التي ما فتئت تترسخ منذ انطلاقته الصلبة قبل ثلاثة عقود إلى اليوم”.

وأضاف أن أهم معالم تلك الخصوصية، اللغة الأمازيغية ذاتها، والتي لا تعني غير الوجود الإنساني نفسه الذي يحمل هذه اللغة. وبشأن كتاب “دراسات في المسرح المغربي الأمازيغي” الذي صدر لهذا الباحث مؤخرا، فإنه، كما قال، يضم مقالات تنبش في التاريخ الامازيغي باحثة عن مظاهر الثقافة الفنية الامازيغية منذ العصور القديمة، مرورا بالعصرين الإغريقي والروماني وآثار الاحتكاك الثقافي مع الحضارات المجاورة الأخرى وعلى رأسها الحضارة الفرعونية .

وتابع أن الكتاب يعد “دعوة صريحة إلى مزيد من اهتمام الباحثين المغاربة بالحفر في التاريخ الامازيغي، والنبش في ذاكرته، واستقصاء حفريات أرضه، ونقائشه ودفائنه، وذلك من أجل إماطة اللثام عن كنوزه الدفينة التي لا يزال الإنسان المغربي في حاجة إلى تبيان خصائصها وإظهار قيمتها انطلاقا من افتراض موضوعي مفاده أن من المستحيل أن لا تضاهي الثقافة والتاريخ والفنون الامازيغية نظيراتها التي عايشتها وعاصرتها كالثقافات الفرعونية والاغريقية والرومانية والوندالية، وكل الحضارات التي مرت فوق أراضي شمال افريقيا الممتدة من غرب مصر الى حدود جزر الكناري ومن البحر المتوسط إلى بوركينا فاسو جنوبا”.

ومن هنا، يضيف، حاول الكتاب النبش في الذاكرة التاريخية بحثا عن الفنون الفرجوية الأمازيغية والمخلفات الممكن العثور عليها عمرانيا ووثائقيا، معرجا على تلك الفرجات التي لا تزال حية في مناطق مختلفة من الأرض المغربية من الشمال الريفي إلى الجنوب السوسي مرورا بجبال الاطلس وهضابها ومدنها، بما فيها تلك التي يسميها الدرس النقدي المغربي بالفرجات الما قبل المسرحية.

وكان قد صدرت لهذا الكاتب مؤلفات أخرى في مجال المسرح منها (المنجز المسرحي: قراءة في بعض التجارب المغربية) 2016، علاوة على أخرى تحت الطبع منها ( محطات: من المسرح المغربي: نماذج إبداعية ونمذجات تنظيرية).

المصدر: الداروم ع

زر الذهاب إلى الأعلى