لماذا يخافون من اللائحة الوطنية للشباب؟
الدار / افتتاحية
من الواضح أن هناك أطرافا حزبية ونخبا سياسية تحلم بإلغاء اللائحة الوطنية للشباب، التي تخول لبعض المرشحين من الشرائح العمرية الفتية ولوج قبة البرلمان عن طريق الحصة المرسومة لذلك، في ظل تعطل مصعد تجديد النخب داخل الهيئات الحزبية. بل إن بعض المسؤولين الحزبيين قدموا بشكل صريح طلبا لوزارة الداخلية لإلغاء هذه اللائحة، ويبشرون حاليا بقبوله وقرب اتخاذ القرار النهائي بهذا الخصوص. من المؤكد طبعا أن استمرار أنظمة الكوطا دلالة على الهشاشة الديمقراطية التي لا نزال نعيشها. لكن السعي لإلغائها والدفاع عن ذلك بدعوى فسح المجال أمام التنافس بمعايير الكفاءة والجدارة، لن يكون دائما مبررا منطقيا في جميع الحالات.
فسوسيولوجيا المنتخبين في بلادنا تعرف الكثير من الثوابت الراسخة التي توارثها النظام عبر عقود من التجارب الانتخابية. ولو كان إلغاء لائحة الشباب، أو حتى لائحة النساء يمكن أن يفضي فعلا إلى إطلاق منافسة حقيقية ونزيهة بين المرشحين داخل الهيئات الحزبية، بناء على كفاءاتهم ومقدراتهم الفكرية والأكاديمية والنضالية، فلا بد أن نكون أول المصفقين لقرار كهذا. لأن إلغاء هذه الكوطات يعيدنا فعلا إلى الوضع الطبيعي الذي تعرفه الديمقراطيات العريقة، لكننا نعلم أن التخلي عن هذه الحصص المخصصة للشباب أو النساء لن يكون إلا في صالح فئة واحدة من فئات المرشحين المعروفة بالأعيان.
إنهم أولئك الديناصورات السياسية المعمرة، التي تحفل بها الكثير من الأحزاب السياسية، وتغلق كل منافذ التجديد والتشبيب، وتعمل على تكريس ثقافة التوارث والاستمرارية والوضع القائم. ماذا يفضل الناخب المغربي في 2021؟ هل سيميل إلى التصويت على مرشح سبق أن دخل البرلمان مثلا في السبعينيات أو الثمانينيات ويعيد ترشيح نفسه للمرة الثالثة أو العاشرة، أم سيفضل رؤية وجوه سياسية جديدة تدخل البرلمان لأول مرة لتبعث فيه روحا جديدة ونفساً مختلفاً؟ سيكون من السذاجة الاقتناع بأن الناخب المغربي، الغاضب أصلا من المنتخبين والمفتقد للثقة في المؤسسات، يمكن أن يفضل استمرار تلك الفئة المحتكرة للمقاعد والدوائر الانتخابية، بفضل ما تمتلكه من نفوذ وحضور تقليدي يطمئن الكثير من الجهات.
إن استهداف اللائحة الوطنية للشباب يمثل في الوقت الراهن معركة هامشية لا تمثل في نظرنا الأزمة الحقيقية التي ينبغي الانكباب على إيجاد حلول مستعجلة لها. ويتعلق الأمر طبعا، بمشكلة الثقة وشبح العزوف. هاتان المشكلتان اللتان لا يمكن التعامل معهما خارج دائرة الاهتمام بالشباب ترشيحا وتصويتا وتأطيراً. بل إن الانتخابات المقبلة ينبغي أن تكون انتخابات شبابية بامتياز، وأن تضع الأحزاب السياسية نصب عينيها أن المغرب المقبل على تحولات هيكلية بعد جائحة فيروس كورونا في حاجة أولاً وقبل كل شيء إلى جيل جديد من النخب، المعطاءة والكفؤة القادرة، ليس فقط على ضمان المقعد البرلماني، ولكن بالأساس على ضخ المعنى في العملية الانتخابية والحياة النيابية، مشاركة أو معارضة.
من هذا المنطلق من حقنا أن نتساءل: لماذا هذا الخوف من اللائحة الوطنية للشباب؟ يجب على القيادات الحزبية المتجذرة والسلطات العمومية أيضا أن تفتح نقاشا عموميا شفافا وعمليا من أجل الإجابة عن هذا السؤال وعما يرتبط به من رسائل مصيرية يمكن أن يكون لها انعكاسات عميقة على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. صحيح أن هذه اللائحة تحولت بحكم التجربة إلى ما يشبه الريع الانتخابي المكرس لفائدة فئة معينة من الشباب، لكن هل هذا هو الريع الوحيد والواسع الجدير بالاهتمام به بصفة مستعجلة والقضاء عليه؟ هناك أشكال أخطر من هذا الريع ينبغي أن تكون لها الأولوية في المعالجة والتصدي، وعلى رأسها ريع الأعيان الذي تحدثنا عنه.