أخبار الدارسلايدر

في رسالة مؤثرة..صحراوية: نعيش الجحيم بتندوف ونتطلع للعودة للوطن للعيش في إطار الحكم الذاتي

الدار / خاص

نشر منتدى “فورساتين” لدعم مبادرة الحكم الذاتي، على صفحته الفايسبوكية، رسالة مؤثرة، قال انه توصل بها من “سيدة صحراوية تحكي فيها جزءا من معاناتها المريرة  داخل مخيمات تندوف.

وجاء في الرسالة

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

المرجو نشر رسالتي دون ذكر اسمي.

بحكم اهتمامكم بما يقع بالمخيمات، ونقلكم للحقيقة كما هي، وملامستكم للمواضيع التي تمس من اللاجئين الصحراويين بالمخيمات دون كذب ولا مواربة، وتغطيتكم الفريدة للأحداث بشكل يختلف عما عهدناه من مجموعات وصحفيين ومؤسسات وحتى الناشطين الحقوقيين ، الجميع يغير ويبدل في المعطيات ، ويتكلم من زاويته ، ويخفي ما لا يعنيه، وحدكم من تحسون بها ، وتنقلون أوضاعنا كما هي .

أحببت أن أمرر رسالتي عبر مؤسستكم، وأتمنى أن تنشروها على نطاق واسع:

أنا امرأة لاجئة مثل غيري من النساء الصحراويات فوق أرض لحمادة، لن أتحدث عن السنوات الطويلة التي قضيناها باللجوء، والظروف القاسية التي لازمتنا من الصغر الى الكبر، ولن أخبركم عن الموت الذي خطف الرجال والنساء بعيدا عن الوطن والأهل والأحبة، ولا الموت في الحرب التي خلفت العديد من الأيتام و الأرامل وشردت المئات من العائلات.

كنا نمني النفس بتغليب السلم وانتهاء النزاع، ونتطلع الى العيش الكريم بعد اتفاق الأطراف على حل نهائي طال انتظاره، ولا اخفيكم سرا أنني كنت أنام على أحلام كثيرة، أتخيل نفسي أتجول بشواطئ العيون والداخلة، أتمتع بالهناء مع عائلتي الصغيرة، وبحضور عائلتي الكبيرة، أتذكر كل شخص من الأقارب والجيران ، فلا أفتقد أحدا، ولا أسمع برجل خرج للحرب ، ولا امرأة بقيت وحيدة دون سند تتخاطفها الهموم والمحن، ولا طفل صغير يسأل عن أبيه الذي قصد المجهول قد يعود وقد لا يعود.

لقد عشت طفولة صعبة، وعانيت من الحرمان من الأب الذي لم أجده منذ فتحت عيني ، وفقدت إثنين من إخوتي وعمي في الحرب، وماتت أختي الصغيرة بعارض صحي بسيط دون أن نعرف الأسباب الحقيقة، كيف تتوقعون مني أن أكون ؟

لا تعرفون كم الهلع والفقدان والحرمان من كل شيء، حاولت التغطية على معاناتي بالتهام الكتب ، والانشغال قدر الإمكان في التعلم، وكنت متفوقة لدرجة كبيرة، واستطعت إتمام دراستي بالجزائر، وتحصلت على شهادة جامعية، فرحت بها فرحا شديدا لكنني اصطدمت بواقع البطالة وانعدام الأفق بالمخيمات، وغياب القطاعات المشغلة، المرأة تقرأ لتصبح أداة الإنجاب والتكاثر، أو تقرأ لتخدم التنظيم، ملل وروتين يومي يتكرر سنوات تلو السنوات، لكم أن تتخيلوا ؟.

كنت بحكم اطلاعي على المستجدات، أتفاءل بالأخبار المفرحة، وأدعوا الله تقريب وجهات النظر، للتوصل لحل، أي حل، المهم أن أخرج ومن معي من المخيمات، الى فضاء يقدر الإنسان ويصون كرامته، لكن أيا كان المكان الذي سنرحل اليه لن يكون أقسى ولا أتسع من العيش بالمخيمات، فما بالك بما شاهدته من تطور وعمران بمسقط اجدادنا،

تطور نراه كالحلم ، ونحرم منه فقط لأن القيادة التي تسوس المخيمات لا تفكر بالمنطق البراغماتي ، والأمر أنها لا تملك القرار لتفعل ما تراه مناسبا.

 القيادة مرهونة لجهات أخرى، تطالبها بدفع الحساب المتأخر، وتفرض عليها القبول بتسهيلات الأداء التي تتطلب زيادة أمد القروض ، وبالتالي إطالة أمد بقاءنا مشردين في مخيمات تفتقر لظروف العيش الكريم، مهما حاولوا تصوير غير ذلك.

لكن ما ذنبنا نحن ؟

 لماذا لا نُسأل ؟

 لماذا لا يطلب رأينا ؟

ربما لم تكن لتصلكم رسالتي ، لو لم يحدث ما حدث حين أعلنت الجبهة عن الحرب، ولكنت أحتفظ بخواطري لنفسي، كما كنت طول حياتي، ولما شاركتكم أحلامي الليلية، لكن حين قررت القيادة إعلان الحرب ، أحسست بانقباض في الصدر ، وألم داخلي صاحبته رعشة داهمت جسدي من رأسي إلى أخمص رجلي ، إحساس غريب، ظننت الأمر كابوسا ، قبل أن أستفيق على الواقع المر، نحن في حرب ، الجميع يتحدث عن الحرب ، الكل مطالب بالمساهمة ، رجعنا للصفر ، للدائرة الأولى ، يا الله!!!

 ماذا فعلنا ليقع لنا هذا ؟ يا رب أو لم تكف قرابة الخمسين سنة من الشتات ، و16 سنة من الحرب ، و30 سنة من اللا سلم واللاحرب.

أمضيت أسبوعي الاول أفكر وأفكر وأفكر، انهارت صحتي ، وعانيت من ضعف الشهية، ودخلت في تيهان شديد ولافت، صدمة كبيرة، وكآبة تعيد في ذاكرتي المشاهد القاسية للحرب ، ما عايشته وما حكي علي ، وما رأيت من تبعاته ، ألهذه الدرجة يقرر المرء الدخول للحرب بسهولة ؟!!!

صدقوني رغم أزمتي النفسية، والخوف، كنت أظن الأمر مناورة أو خطابا سياسيا ، قبل أن أرى حجم الهالة التي أحيطت بالموضوع، وقرار التحاق الشباب بالحرب دون خبرة ولا تجربة ، رأيتهم كمن يساق للموت والانتحار ، كمن يرمى به في البحر وهو لا يعرف أساسيات السباحة ، وعاش حياته في الصحراء القاحلة، حتما سيموت من الغطسة الأولى.

ربما تكون الحرب مناورة ، وأنا لا أدري ، ربما تكون خطوة سياسية، ربما تكون غير واقعية ، فهذا الأمر يبقى بعيدا عنا نحن المواطنين البسطاء، ولا نسأل فيه، ولا نعرف إلا ما يعطى لنا ، لكن سأحدثكم عما أعرفه معرفة شخصية ، وسأتكلم عن الواقع كما أعايشه ، مهما يكن السبب لإعلام الحرب ، فنحن من يصيبه الوجع منها، ونحن من نكتوي بنارها، ونحن من نعاني من ويلاتها.

منذ إعلان الحرب ، أحسسنا بالفوضى بالمخيمات، واقتيد من اقتيد من صغار السن والقاصرين ، وفرق الأبناء عن الأمهات باسم الحرب، البكاء والنحيب والألم يعتصر الأمهات اللواتي تسلمن أولادهن للقيادة دون أن تعرف مصيرهم.

انهمك الجميع في تحضير ما يتعلق بالحرب ، وطلب من النساء صناعة الخيم ، وحياكة لباس المقاتلين ، والتخفيف من مطالبهم عند الزواج، وتقديم أنفسهن لكل من يطرق بابهن ، لا مجال للرفض ، تزوجوا أيتها النسوة ، فربما الشباب لن يعودوا ، عسى أن يزرعوا نطفة  تضمن بقاء السلالة الصحراوية،

 حينها انتفضت :

 لماذا أصلا نموت ؟

 لماذا ونحن قادرون على العيش بسلام؟ ونحن قادرون على العودة للوطن ؟ وقبول مبادرة الحكم الذاتي التي لا غبار عليها ؟،

أليس القبول بالحكم الذاتي حقنا للدماء ، وصونا للنفس ، وهي غاية أساسية في الدين الإسلامي ؟ ومسبقة على كل شيء ، فلماذا الحرب ؟.

كنا سنقبل بالحرب ، كخيار وحيد ولا وجود لغيره، كخيار ونحن مضطهدون ومظلومون ، ولا سبيل لنا سواه. أما والمغرب يفتح ذراعيه ، ويعطينا حكما ذاتيا، ويبني الأرض ويستقبل من يرجع منا ، ويهتم بأهالينا المتواجدين بالإقليم ، وينعمون بالسلم ، والأمان ، فلماذا الحرب ؟

 قطعا هناك خلل ، ثم أتذكر الدين الذي يقيد القيادة لدى جهات أخرى ، ونحن ندفع ثمنه ،. لكن أعود وأقول ما ذنبنا نحن اللاجئين ، من حقنا الحياة من حقنا العودة والتمتع بحقوقنا ، والعيش مع ذوينا في بلد يحفظ كرامتها.

صدقوني هذا إحساس صادق ، يعكس نموذجا من نماذج كثيرة، تنتظر الفرصة للحديث والبوح بالممنوع في المخيمات، لكنه بوح الحياة ، بوح الأمل ، بوح السلام الذي طمح له جميعا.

منذ بدأ الحرب ، ونحن نعاني من الإغلاق بسبب الطوارئ ، ونقاصي من شح السلع والمواد الغذائية، وغلاء المعيشة ، ونطالب بتقديم خدمات كثيرة للقيادة تجسيدا لخطواتها الجديدة التي لا نعلم إلى أين ستؤدي بنا ، لكن الأمل يحذونا بالعودة الجماعية سالمين غانمين غير منقوصين ، لا قاتلين ولا مقتولين ، لنعيش جنبا الى جنب مع أهالينا بالصحراء ، وننعم بمبادرة حكم ذاتي سيكون صدقة جارية أجرها لمن أطلقها ، وأجرها لمن قبلها ، وأجرها لمن سعى فيها ، وأجرها لكم أنتم كمنتدى تنير دربنا ، وتعطوننا فرصة لرؤيتها كما هي ، فاللهم اجمع الشمل ، وأحقن دماء المسلمين ، وأرشدنا لما فيه خيرنا وصلاحنا جميعا .

شكرا جزيلا

أختكم : م . س.ح (صحراوية من مخيمات تندوف)

زر الذهاب إلى الأعلى