الخطيئة التلفزيونية لقناة الشروق رد فعل انتقامي يختبر صبر المغاربة
الدار / افتتاحية
قبل سنوات خلت لم يتردد القضاء المغربي في متابعة أحد الصحافيين المغاربة بتهمة إهانة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مقالة وكاريكاتير نشر في إحدى الأسبوعيات. وتم بمقتضى هذه المتابعة إدانة الصحافي المذكور إنصافا لشخص الرئيس الجزائري، المحمي بمقتضى القانون المغربي. وأثارت هذه الإدانة آنذاك ردود أفعال منتقدة داخل المغرب لاعتبارين: كان الاعتبار الأول مرتبطا بمبدأ حماية حريات الصحافيين عامة في تناول القضايا التي يريدون مقاربتها. وكان الاعتبار الثاني متعلقا باستغراب دفاع القضاء المغربي عن رئيس دولة تعادي الوحدة الترابية للمملكة وتصرح بذلك علانية، بل وتعمل ليل نهار على تفكيك المغرب وتقسيمه.
وسياق هذا التذكير هو هذا التطاول الرخيص الذي أقدمت عليه قناة “الشروق” الجزائرية، في برنامجها “ويكند ستوري”، عندما جسدت الملك محمد السادس في دمية كرتونية، بمشاركة سليمان سعداوي، النائب عن حزب “جبهة التحرير الوطني” الحاكم في الجزائر. فبغض النظر عن وقاحة المحتوى الإعلامي وضحالته، فإن ما أقدمت عليه هذه القناة، وأثار غضبا عارما في المغرب، يعتبر تحولا خطيرا في المقاربة الإعلامية الجزائرية المعادية للمغرب. فليس جديدا علينا أن تعبر وسائل الإعلام الجزائرية بمختلف مؤسساتها عن مواقف كارهة للمغرب بنشر الأخبار الزائفة وترويج الإشاعات والأكاذيب، مثلما حصل مؤخرا في تغطيتها لأزمة معبر الكركرات، واختلاقها لأحداث “الحرب الوهمية” الدائرة على الحدود بين الانفصاليين والجيش الملكي.
لكن الخطير في هذا التطاول الجديد هو انتهاكه لكل الأعراف الدبلوماسية المتواضَعِ عليها، من طرف قناة محسوبة على جهاز المخابرات الجزائري، رغم أنها تقدم نفسها على أنها مؤسسة مستقلة. لقد اختارت هذه القناة أن تزج بنفسها في موقف لا أخلاقي يفتقد لكل شروط المهنية والنزاهة الإعلامية، بالنظر إلى أنها تدرك أن العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام، وأن كل موقف ستعبر عنه، سيكون لا محالة مطبوعا بمواقف غير حيادية ومنحازة للأطروحات الجزائرية الرسمية، وعلى رأسها الترويج لأطروحة الانفصال. إن خطورة ما أقدمت عليه قناة “الشروق” الجزائرية تمتد إلى الطابع المستفز لهذا المحتوى الدعائي، الذي لا يمكن اعتباره البتة محتوى إعلاميا، لأن الهدف من ورائه أساسا هو الإمعان في احتقار المغاربة وإهانة مشاعرهم.
هذا الاستفزاز الجديد يمثل نقلة خطيرة في مجال الحرب الكلامية والإعلامية بين البلدين. صحيح أن هناك تبادلا متواصلا للمواقف والردود داخل مختلف المنصات الإعلامية، وخصوصا في الفضاء الافتراضي المفتوح، لكن اقتراف هذه الخطيئة التلفزيونية من طرف قناة يشرف عليها طاقم إعلامي ورئاسة تحرير تراقب كل صغيرة وكبيرة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يؤل على أنه جزء من الخزعبلات أو الترهات التي تروجها مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يمكن التحكم فيها. إننا أمام عمل مقصود الهدف منه انتقامي أساسا بعد كل الصفعات التي تلقتها الجزائر في الآونة الأخيرة على كافة الأصعدة الدبلوماسية والسياسية في معركة الصحراء المغربية.
كما أن هذا العمل الانتقامي لا يبتعد عن كونه أيضا بالون اختبار تلقيه الدعاية الإعلامية العسكرية من أجل التحقق من مدى صبر المغاربة، وإمكانية تقبلهم لمثل هذه الإهانة التي تجاوزت كل الحدود. هذا يعني أن السكوت على عمل مستفز كهذا قد يفتح الباب على مصراعيه أمام أشكال أخرى من التطاول والوقاحة ضد المغرب ومقدساته، وعلى رأسها شخص الملك والعائلة الملكية. لأجل ذلك فإن ما يطالب به بعض متصفحي شبكات التواصل الاجتماعي من قطع للعلاقات بين البلدين ليس فيه أي مبالغة أو تشنج، خصوصا أن هذه العلاقات أصلا متوترة، ولا يجني المغرب من ورائها إلا المشاكل والأزمات. لكن قبل القطيعة يتعين على التمثليات الدبلوماسية المغربية في الجزائر اتخاذ كافة الخطوات القانونية التي يتيحها القضاء الجزائري لمحاسبة المسؤولين عن هذه الخطيئة التلفزيونية الجديدة.